صوت الشرق نوفمبر 1965 م
ترجع أصول العلاقات الثقافية والفنية بين الهند والعالم العربي إلى آلاف السنين ، وكان من أثر التفاهم المتبادل والتعاون المشترك أن اتسع المجال لتنظيم المهرجانات الفنية وإقامة المعارض المختلفة وعرض الأفلام وتبادل زيارات الفرق الثقافية للموسيقي والرقص .
وقد عرضت بعض الأفلام الهندية في الجمهورية العربية المتحدة فلقيت نجاحا كبيرا وإقبالا ملحوظا ، كما لقيت الأفلام العربية ترحيبا كبيرا من أبناء الهند في المدن الكبرى ، وقد شهدت القاهرة في الشهر الماضي فرقة راقصة من أشهر الفرق الهندية حيث قوبلت من الشعب المصري بالإعجاب والتقدير ، وتشهد في هذا الشهر الحالي عرضا لبعض الأفلام الهندية في أسبوع لفيلم الهندي الذي يقام في منتصف شهر نوفمبر الحالي بالقاهرة ، وفي هذه المناسبة نقدم للقارئ العربي لمحات من فنون الهند العريقة وتطورها ..
وكانت الهند منذ عصور بالغة في القدم بلاد الفنون الرائعة ، وقد ظلت مواهب الهند الفنون الرائعة ، وقد ظلت مواهب الهند الفنية تترك آثارها منذ نحو خمسة آلاف سنة في كل عهد من العهود وفي كل أسرة حاكمة وفي كل جيل من الأجيال ، وحفظت لنا الأجيال ثروة خالدة من روائع الفنون في التصوير والنحت والحفر وفن المعمار والرقص والتمثيل .
وكل جيل منها يتلقف تراث الفن من سابقه ثم يطبعه بطابعه الخاص ويصغي عليه من لونه وزخرفه حتى يمثل العصر الذي ازدهر فيه ، وعلى هذا المناوال أصبحت الهند زاخرة بنماذج خالدة من النقوش البارزة ، والمحفورة التي تزين الكهوف والمعابد الأثرية ، وتقوم هذه النماذج دليلا على تعدد نواحي الفنون الهندية وعلى غنى مصادر الإلهام لفناني الهند القديمة من الإحساسات الدينية والمشاعر الإنسانية ,
التمثيل السينمائي
كانت الهند من القدم بلاد العالم شغفا بالتمثيل وأكثرها رعاية للمسرح وكانت أشبه في ذلك ببلاد الاغريق القديمة المعروفة برواياتها التمثيلية الرائعة ، وكانت المسارح في الهند منذ أمد بعيد منتشرة في القرى حيث كان أهلوها يجتمعون في المواسم الدينية والأعياد للاستمتاع بمشاهدة الفرق التمثيلية التي تمثل قصصا وروايات مستمدة من صميم حياة القرية وعاداتها وطقوسها ومعتقداتها … وأما الرقص الهندي فكان في بداية أمره عبارة عن حركات تعبدية ثم تدرج منها إلى الأسلوب القصصي والرمزي ، ثم أصبح على مر الأيام وسيلة من وسائل الترفيه .
الموسيقي الهندية
اشتهرت الهند في ميدان المسيقي منذ أقدم العصور وتعددت أساليبها واتجاهاتها ونغماتها ومقاماتها حسب فصول العام حتى أصبح لكل فصل من الفصول الوسيلة موسيقاه المميزة ، وفي العصر الحديث تأثرت الموسيقي الهندية كسائر الفنون ببعض الأنغام والألحان والتعبيرات الموسيقية ، وتعتمد الموسيقي الهندية إلى حد كبير على النغمات وعلى تغيير المقامات بدلا من تناسق النغم .
وجدير بالذكر أن الفنانين الهنود المستحدثين لا يزالون يحتفظون للفنون الهندية بطابعها الهندي القديم ، وتستعمل إلى الآن الآلات الموسيقية التي كانت تشتهر الهند بها منذ أقدم العصور مثل السيتار والسارانجي .. والسارود والفينا والطبول والدفوف المتعددة الأشكال والأحجام …
النحت والتصوير
ومن الآيات الخالدة من روائع الفن الهندي ، والنحت والتصوير ، وتزخر الهند المعابد المنحوتة في الصخور وفي سفوح الجبال ، ومنها معابد الهند القديمة في اجانتا واللوراء وغيرهما من الآثار الفنية الأثرية التي نحتته في الجبال أو اقتطعت من كهوفها وزينت جدرانها بنقوش محفورة وصور بديعة تبهر الأنظار .
وهذه المعابد والأديرة قبلة السياح والزائرين من أنحاء العالم ، وقد ظلت هذه الآثار محتفظة بأصالتها ومتانتها رغم ما مضى عليها من القرون الطريلة والمؤتمرات الخارجية ، وقد امتد أثر النحت والتصوير الهنديين إلى سيلان وبورما والملايو وسيام والهند الصينية واندونيسيا واليابان والصين وغيرها من البلدان النائية في الشرق الأقصى .
اشتهر الحكام المسلمون الذين حكموا الهند في مختلف العصور ولا سيما الملوك المغول ، بعنايتهم الخاصة بالفنون وعملوا في بلاطهم ومجالسهم على جمع الفنانين البارزين في شتى أنواع الفنون ، وكانت الموسيقي منتشرة في أيام الامبراطورين بابر وهمايون ، حيث تقام الحفلات الموسيقية والغنائية في داخل القصور الملكية .
ولما ارتقى الامبراطور “أكبر” عرش الحكم في الهند في سنة 1556 م ، أكبر من شأن الفنانين ، وأغدق عليهم من الهبات والهدايا ، ودرس بنفسه صنوفا من الفنون الجميلة دراسة وافية ، وقسم فناني البلاط الملكي إلى سبعة أقسام ، يختص كل طائفة منها بنوع خاص من الفنون ، وعليها أن تعرض على الامبراطور أعمالها المنوطة بها كل منها في يوم معين .
وامتاز عصر الامبراطور المغولي “شاهجهان” بالنهضة الفنية ، وترك صفحات خالدة في تاريخ الفنون الجميلة في الهند مثل “تاج محل” أحد عجائب العالم السبع في إبداعه ونواحيه الفنية ، والروعة المعمارية .
وكان الامبراطور يقيم في ديوانه الخاص في القلعة الحمراء بدلهي حفلات دورية يحضرها كبار الفنانين والفنانات ، ويسدي إليهم مختلف المنح والجوائز التشجيعية ، حتى ترعرع الفن في عصره بصورة منقطعة النظير ..
الفنون في الهند الحديثة
كانت مسألة إحياء النشاط الفني في البلاد محل الاهتمام البالغ لدى الدولة ، بعد الاستقلال ، فبادرت بالبحث من أحسن الطرق وأقربها لتحقيق هذا الهدف وأنشأت أكاديمية خاصة لإنعاش فنون النحت والرسم والتصوير ، ومن أهداف هذه الأكاديمية التدريب العملي في الفنون الجميلة ، والحفاظ على تراث الهند القديم ، إحيائه وتقوم الأكاديمية أيضا بنشر كتب ورسائل في الفنون الهندية المختلفة وتصدر الآن مجلة فنية تشتمل على مقالات ولوحات فنية رائعة .
وأسست الحكومة الهندية أكاديمية أخرى للموسيقي الرقص والتمثيل ، ومن أهدافها إفساح المجال للأبحاث في حقول الرقص والتمثيل والموسيقي ، وإنشاء مراكز مسرحية في المدن والقرى ، وإقامة معاهد التدريب الفني وإخراج الفنون الشعبية ، إقامة المهرجانات ، ومنح الجوائز وتعزيز التبادل الثقافي في مختلف الميادين .
وبفضل اهتمام الدولة ، والشعب تزدهر الفنون في الهند الحديثة تزدهارا باهرا ، وتظهر آثارها في حياة المواطنين الفكرية والاجتماعية .
الأفلام الهندية
كانت الهند معروفة منذ العصور القديمة برواياتها التمثيلية وقصصها الاسطورية التي تقص الحوادث والوقائع التاريخية وترمز إلى تقلبات الحياة في الفن والفلسفة والدين ، ولسكن ركودا قد تسرب إلى الفن المسرحي في الهند في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لأسباب متعددة ، ولكنه مالبث أن استعاد نشاطه مع استهلال القرن الحالي ، وبدء الحركة الوطنية في البلاد .
إن الهند اليوم تعد أكبر دولة في العالم – بعد الولايات المتحدة الأمريكية – في الإنتاج السينمائي ، وفيها الآن أكثر من ستمائة ستوديو للأفلام السينمائية إلى جانب عشرات من معامل تحميض الأفلام وطبعها ، بينما يبلغ مدد دور العرض السينمائي في البلاد حوالي أربعة آلاف دار ، يرتادها أكثر من ستمائة مليون متفرج في كل هام …