الإسلام أغسطس 1952م
إن القارة الهندية الباكستانية تاريخا مجيدا في تاريخ الحضارة الإسلامية وكانت تحمل لواء الدعوة المحمدية منذ القدم ، ولما فتحت البلاد الهندية للإسلام بأيدي المجاهدين العرب تحت قيادة القائد الكبير محمد بن قاسم وأشرقت بنور الإسلام بطريق العرب المتشبعين بدعوة الإسلام وتعاليمه صارت معقلا للثقافات الإسلامية والتقاليد السلفية مع كثرة أديانها وسعة آفاقها وتعدد لغاتها وأرسلت نور الإسلام وعرفانه إلى جاراتها مثل الصين واندونيسيا وسيلان وغيرها ولما وقعت القارة تحت منير الاستعمار الغاشم بعد أن كانت تحت سيطرة السلاطين المسلمين المغول قرابة ثمانمائة سنة حاول الانجليز إضعاف روح الإسلام في الهند ونشر التفرقة والعقلية الطائفية بين المسلمين والهندوس فنجحوا كثيرا في هذا الميدان بسياستهم البغيضة “فرق تسد” ثم نهضت الهند مسلموها وهندكيوها ووثبت على وجه المستعمر المستغل وطهرت البلاد من آثار المستعمرين الطغاة بعد أن كانت محتلة عسكريا ومدنيا وأدبيا تحت مخالب الانجليز فرأى المصلحون المجاهدون ما أصاب المسلمين من الإفلاس في الإيمان وضعف الشعور الديني في العوام منذ سنوات نتيجة من تأثير الحكومة الانجليزية الاستعمارية والتعليم المدني وغفلة الدعاة وانهماك بعض العلماء في الماديات من الكفاح الوطني للتخلص من مخالب الاستعمار ومسألة تقسيمها وكثرة الاختلافات السياسية بين الهند والباكستان لما رأوا ذلك كله قرروا أن التعليم في المدارس وتأسيس المعاهد في القرى والمدن وحده لا يكفي ولا بد من الاتصال بطبقات الشعب والتقدم إليها من غير انتظار لأنها لا تشعر بمرضها وفقرها في الدين وعزموا على الخروج في سبيل هذه الدعوة وبثها في المسلمين البالغين عددهم في الهند بعد التقسيم أربعين مليونا – ضعف عدد القطر المصري – وخرجوا شهورا وقطعوا مسافات بعيدة في أنحاء الهند فتحسنت أحوال القرى والأرياف وانتشرت الدعوة الإسلامية في أنحاء البلاد من غير نفقات باهظة ونظم إدارية بل بطريقة بسيطة تشبه طريقة الدعوة في صدر الإسلام ولا يقتصر علماء الهند جهودهم في نشر الدعوة الإسلامية في داخل الهند فقط بل يبذلون أقصى جهودهم في سبيل تبليغ الدعوة وإشاعة مبادئ القرآن في العالم كله – وتخرج لهذا الغرض جماعات من العلماء المتخصصين في تعاليم الإسلام وفي أساليب الدعوة واللغات الحية المتعددة إلى شتى بقاع العالم إما على نفقتهم الخاصة أو مندوبين عن جمعيات إسلامية أسست لهذا الغرض وكان من المؤسف أن أكثر مصنفات ومؤلفات علمائها ومظاهر أفكارهم في اللغات الشرقية الهندية مثلا أن مولانا أبو الكلام آزاد ومولانا حسين أحمدي للندوي وأمثالهم من العلماء الكبار فلهم أفكار جديدة ونظريات خاصة في حل مشاكل العالم الإنساني وإقرار الأمن والطمأنينة في الجنس البشري ولكن جلها بل كلها في اللغة الأوردية والفارسية هذا من الأسباب التي لا تساعد على توثيق العلاقات وتوطيد ركن التعارف بين علماء الهند وعلماء البلاد العربية كما حقه .
ومن البشرى والأمل أن تقدم بعض اللجان والأشخاص بمهمة ترجمة مؤلفات علماء الهند إلى اللغة العربية وكذلك إلى اللغات الأوردية أيضا وكذا من الأسباب المساعدة لتوثيق الروابط بين مسلمي الهند بلاد العرب شروع علماء الهند في إظهار أفكارهم وآرائهم في مؤلفات باللغة العربية ويرسلون بعثات إلى الجامعات والمعاهد في البلاد العربية للتخصص في اللغة العربية وآدابها وعلومها وأيضا تجري مبادلة الطلبة بين حكومة الهند وحكومات بعض بلاد العرب على نفقة الحكومات الري من مناهل جامعاتها والتبحر في لغاتها وثقافاتها ومن جهة أخرى تجري مدارس عربية مستقلة تحت إشراف الجامعات الحكومية بالهند فوق ما تدرس اللغة العربية في الجامعات المدنية كأنها لغة جامعية .
هذا أن المسلمين بالهند – سيما في هذه الظروف الحرجة – يسعون بساق الجسد للاحتفاظ بتقاليدهم الإسلامية وحضارتهم ويؤدون رسالتهم مضحين بنفسهم ونفيسهم ويقومون بحركات إسلامية واسعة النطاق منحين جميع العقبات والعراقيل التي تسدهم عن التقدم في طريقهم هذا ويجاهدون حق الجهاد كل في سبيل عقيدته ودينه “ولينصرن الله ينصره ” “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون”.