المدينة ربيع الآخر 1400/13
وكانت شبه القارة الهندية ، وقت استقلالها عن حكم الانجليز سنة 1947م أولى دول العالم في عدد المسلمين ، حيث كانت تضم أكثر من 120 مليون مسلم ، ثم قامت تقسيم شبه القارة إلى دولتين – الهند وباكستان – وصارت الهند دولة مستقلة ذات أغلبية هندوكية وأقلية مسلمة وصارت الباكستان دولة مستقلة ذات أغلبية مسلمة وأقلية هندوكية وكان عدد المسلمين في الباكستان وقت التقسيم – حوالي 80 مليونا وعدد المسلمين في الهند نحو 40 مليونا .
واليوم تعتبر الهند وحدها ثانية دول العالم في عدد المسلمين ، حيث تضم أكبر جالية إسلامية ، بعد أندونيسيا ، إذ يبلغ عدد المسلمين فيها الآن أكثر من مائة مليون نسمة ، وتليها بنجلاديش فباكستان ، وهو يشكلون أكبر طائفة في الهند بعد طائفة الهندوس ، ومن ثم لا تزال الهند جزء حيا هاما من جسم العالم الإسلامي الكبير الواسع الذي يربط بين أجزائه رباط وثيق من الرابطة الروحية والأخوة الإسلامية ، فإذا ألقينا نظرة على شبه القارة الهندية فلا نجد فيها ، مع اتساع رقعتها وتعدد مقاطعاتها ومناخها بقعة إلا ودخلها صوت الإسلام ووطئتها أقدام الدعاة وظلت الدعوة الإسلامية متمكنة في هذا البلد المترامي الأطراف ، على رغم تقلبات العصر ، ولم تستطع التيارات الخارجية أو الداخلية أن تحد من تقدمها وتطورها كما لم تفلح المحاولات العديدة التي بذلها مناهضو الدعوة الإسلامية لمنع استمرارها واستقرارها وتطورها .
ويمكن أن نلخص الأسباب الرئيسية التي ساعدت على هذا الانتشار الواسع السريع الذي أحرزه الإسلام في أرجاء الهند في النقاط التالية :
1 – النزعة الدينية لأهل الهند :
لقد أشار الإمام ” الشهرستاني” في كتابه “الملل والنحل” إلى مدى النزعة الدينية لأهل الهند ، في معرض الكلام عن أمم الدنيا وتقسيمهم حسب المذاهب والنزعات ، حيث قال “وإن العرب والهند يتقاربان مع مذهب واحد وأكثر ميلها إلى تقرير خواص الأشياء ، واستعمال الأمور الروحانية ” .
وأصاب الإمام “الشهرستاني” في تعميم حكمه على جميع أهل الهند في كل زمان ومكان ، إذ نجد جميع الديانات الهندية القديمة تلتقي من الأديان السماوية ، في نقطة الإيمان بوجود الخالق ، وخلود الروح وحسابها في الحياة الأخرى ، وإن اختلفت معها في التفاصيل ، ويرجع سر حصول الأديان والثقافات العديدة التي أتت إلى الهند في مختلف العصور ، على الترحيب الذي ساعدها على الانتشار في أنحاء هذه البلاد المترامية الأطراف ، إلى الروح المتسمة بالتسامح السائدة بين حكام الهند وقتئذ ، وإلى نزعة أهلها إلى ترحيبهم بكل ما يرد إليها من الخارج من دعوات وثقافات وأفكار .
وقد رحبت الهند في العصر القديم بالآراء المصرية واليونانية ، ثم رحبت بالمسيحية في قرنها الأول ثم بالدعوة الإسلامية حيث وجدت نوافذها مفتوحة عندما طرقها الدعاة المسلمون في عهدها الأول .
2 – صفات الدعاة المسلمين ووسائلهم :
والدعوة الإسلامية الحقة ، هي الدعوة إلى الله وإلى الأخوة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتسامح والبساطة في جميع مرافق الحياة ، وكان الدعاة الأوائل بعيدين كل البعد عن التعصب الديني والعنف والإكراه في كل خطوة يخطونها في سبيل أهدافهم النبيلة ، وكانوا قدوة عملية للآخرين ، وقد اتخذوا رائدهم في ذلك إرشاد القرآن الكريم :”لا إكراه في الدين”
وقوله :”ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” .
وكان الدعاة المسلمين في شبه القارة الهندية سواء العرب أو الهنود الذين تشبعوا بروح الإسلامية السمح مظهرا حيا لما يدعون إليه من الخلق القويم والأعمال الصالحة ، حيث تأثر المدعوون بالقدوة الشخصية الحسنة ، حتى أصبح الداعون محل احترام وتقدير لدى كل طوائف الأمة وكان هؤلاء الدعاة فاتحي القلوب ، لا فاتحي البلاد ، وكانت زوايا وتكايا هؤلاء الدعاة مراكز للزائرين الذين يترددون إليها للتزود بالإشعاع الروحي والخلقي ، كما كانت تلك الزوايا مظهرا للانسجام الطائفي والأخوة الوطنية بين شتي الطوائف التي يتكون منها المجتمع الهندي الكبير ذو التاريخ العريق .
3 – نظرة الإسلام إلى الأديان الأخرى :
يقرر الإسلام مبدأ التسامح الديني والأخوة الإنسانية وعدم العنف والتعصب في الشؤون الدينية بأي شكل من الأشكال بالآيات القرآنية الآتية :
1 – “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس : 99) .
2 – “لا إكراه في الدين” (البقرة : 256 ) .
3 – “وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله” (يونس : 100) .
ومما لا شك فيه أن بعض الحكام المسلمين استخدموا التشدد باسم الدين نحو اتباع الأديان الأخرى ، أحيانا بمقتضيات أمن الدولة واستقرارها ، وأخرى بدافع من المآرب الشخصية ، وفي كلتا الحالتين فإن التعاليم الإسلامية والإرشادات القرآنية الصريحة كانت بريئة كل البراءة من أعمال هؤلاء ، لأنهم استغاوا الدين للأغراض السياسية – عمدا أو جهلا – فأصبحوا وصمة عار في تاريخ الدعوة الإسلامية التي لم تكتف بالدعوة إلى حرية العقيدة وحرية العباد ، بل دعت إلى التسامح في الدين والسياسة ، وحرمت على المسلمين التعرض لدين الغير وحريته العقائدية .
4 – الأوضاع العقائدية السائدة :
وكانت عامة الناس تئن تحت وطأة آفتين اجتماعيتين هما : النظام الطبقي المتطرف الذي فرق شعبا واحدا إلى طبقات ، وكذلك آفة الكهنة الذين انحدروا إلى أعمال الشعوذة والخرافات التي يرفضها العقل السليم ، فلما وصل الإسلام إلى الهند لأول مرة ، يدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة الإنسانية والقوانين الفطرية التي هي الدعائم الثلاث لصرح الإسلام ، وجد عامة الشعب الهندي فيها مخرجا من الكابوس الاجتماعي البالي ، فدخلوا في الإسلام أفواجا .
وهذه هي الأسباب الرئيسية التي يرجع إليها الفضل الأكبر لانتشار الإسلام في الهند بسرعة وكثرة واستقرار جذوره في أرضها الخصبة وأصبح تاريخه جزء لا يتجزأ من تاريخ الهند المديد .