المدينة شعبان 1400
إن تشبع بروح الإسلام وشاهد نزعة أهل الهند الدينية وحبهم للتجار العرب ، كان يحاول التحدث عن الدين الجديد الذي ظهر في بلادهم ، والعمل لنشر تعاليمه بين معارفه وأصدقائه بطريقة ودية سليمة ، متخذا في ذلك رائده من إرشاد القرآن “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” .
وإلى جانب هذا الاحتمال القوى والافتراض العلمي نستعرض لما كتبه المؤرخ الإسلامي المذكور (الدكتور حسين نينار) بين الهنود في صدد بيان أسباب انتشار الدعوة الإسلامية بين الهنود في أول احتكاك حصل بينهم وبين التجار العرب والمسلمين فيقول : ففي القرن الثامن (للميلادي) كان معتنقوا ديانتي “شيوا” و “فيشنو” في بلاد “تامل” – في جنوب الهند – يبثون الحقد والبغضاء علنا ضد البوذيين والجينيين (اتباع بوذا ومهاويراجين) وهذا الجو المليئ بالنزاعات الدينية والتوتر السياسي قد أتاح فرصة فريدة للتجار العرب لأن ينشروا الأفكار الجديدة التي جاء بها الإسلام ، مثل الإيمان المطلق بالله وحده ، وعدم الشرك به بأي شيء ، والمساواة بين الناس وإيجاد روح ديمقراطية وعقلية متحررة في الحياة العملية بحيث لا يكون هناك حاجز بين إنسان وإنسان على أساس اللون أو العنصر أو المركز في المجتمع أو النسب فكانت هناك محاولة سلمية لنشر الإسلام ، وإن التجار العرب قد نالوا حب أهل الهند بتعلم لغتهم وعاداتهم وبدأوا ينشرون تعاليم دينهم أولا بضم النساء اللاتي تزوجوا منهن إلى الإسلام ، كما جعلوا كل من اتصل بهم في الشؤون التجارية يعتنق الإسلام ، وبمرور الزمن كان التجار العرب يندمجون مع عامة السكان وأخذوا يزالون مهمة نشر دينهم مستخدمين في ذلك ذكاءهم الفائق وحضارتهم العظيمة وأظهروا كفاءة ومقدرة في بيان المبادئ والأسس المتعلقة بدينهم بحيث يتسير العمل بها للناس ، أسوة بإرشاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في منهج الدعوة “بشروا ولا تنفروا يسروا ولا تعسروا” ، إلى جانب هؤلاء التجار كانت هناك جماعات تقوم بنشر الدعوة الإسلامية ، وتقضي جميع أوقاتها في إبلاغ الناس رسالة الإسلام ونشر تعاليمه بطريقة عملية وقدوة حسنة .
وبفضل هذا الاتصال الواسع بين العرب وجنوب الهند في القرن الثامن الميلادي تكونت عدة مراكز للمسلمين في شواطئ الهند الغربية والشرقية ، ومع ازدياد وسائل الاتصال لنشر الأفكار الجديدة عن الإسلام ، أخذت الدعوة الإسلامية تتجه إلى سائر أنحاء الشرق عن طريق التجار والدعاة الصالحين . ويقول العالم الجغرافي العربي “ابن خرداذبه” في كتابه الشهير “المسالك والممالك” ، كان الولاة والحكام في السواحل الهندية والجهات المجاورة لها يلقبون بألقاب كثيرة ، ومنها “بلهرا” و “- أب – ” و “وطامن” و “وملك جزر وغابة” و “رهمي” و “مهراج” وكان منهم حكام نالوا الألقاب الملكية من ملك فارس “اردشير” فقد ثبت أنه منح أحد ولاة الهند لقب “ملك ريحان” وهذه المناطق الساحلية من شبه القارة الهندية ، كانت تقوم بينها وبين جزيرة العرب وروابط وثيقة وصلات عامة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، فكان العرب يقصدون هذه الجهات دائما للأغراض التجارية وأصبحوا ملمين بكثير من محصولاتها وأجناسها ورجالها إلماما صحيحا وكذلك سكان هذه الجهات إما مباشرة أو عن طريق الأخبار التي كانت تصل إليهم بطريق البعثات التجارية “.
وكانت الأمة الهندية تحتل مكانة مرموقة في أوساط سكان جزيرة العرب لعدة أسباب ، ومنها نفوذ الفرس وسيطرتهم على حدود الهند وبلاد العرب على حد سواء ، كما استوطن عدد كبير من الهنود في أنحاء جزيرة العرب ، ومما استجلب اهتمام العرب بالهنود صلتهم الوثيقة بالمراكز التجارية في الموانئء الواقعة على حدود جزيرة العرب ، واتجارهم في السلع والبضائع الهندية والمحببة إلى قلوب الأمة العربية فكان من نتائج هذه الصلات التجارية استيطان جاليات هندية من مختلف الطبقات بين سكان الجزيرة ، وكانت هذه الجاليات تعرف في عهد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء مختلفة بين العرب ، مصل “الزط” و “الأسورة” و “السيابجة” و “الأحامرة” و “البياسرة” و “التكاكرة” وغيرها .
وجدير بالذكر أن تسمية أناس نزحوا من بلاد أخرى واستوطنوا بين ظهرانيهم ، بأسماء وألقاب عديدة في لغتهم بمثابة دليل واضح على أهمية هؤلاء المستوطنين وشهرتهم في أنحاء البلاد ونفوذهم في الحياة الاجتماعية لسكان البلاد الأصليين .