أسباب عقدة التخلف الفكري و العملي
(تابع أمس)
الخليج اليوم – قضايا إسلامية – االأربعاء 7-مايو-1986 م
إن العالم العربي والإسلامي الحاضر ، وخاصة منطقة دول الخليج ، يحتل مكانة مرموقة في جميع مجالات الحياة البشرية ، ومن الناحية التاريخية فإنه موطن أمم لعبت أكبر دور في التاريخ الإنساني الحضاري والثقافي والديني كمهد الإسلام ومعقله ، ومنذ انبثاق فجر الدعوة المحمدية في الجزيرة العربية قد صارت بمثابة القلب النابض للعالم الإسلامي كله ، بمركزها الروحي وسلطانها الديني واجتماع الحج السنوي الذي هو في الواقع مؤتمر إسلامي عالمي يشترك فيه أبناء الإسلام من كل فج عميق بقلبه وقالبه بحيث لا مثيل له في العالم .
محط أنظار الغرب
ومن الناحية الاقتصادية والسياسية فإنه يحتضن منابع الثروة والقوة الكبرى من آبار البترول الغزيرة التي هي دم الجسم الصناعي والاقتصادي في العالم اليوم كما أنه موقع جغرافي استراتيجي حساس بين القارات وبين الشرق والغرب إلى جانب الأسواق والأراضي الزراعية والعقول المفكرة والشعوب القوية ذات تاريخ مجيد وحضارات عريقة ، فكل هذا قد جعل العالم العربي محط أنظار الغرب الأوربي والأمريكي والشرق الروسي ، وملتقي مطامعهم وميدان تنافسهم ، وهذه حقيقة معروفة وواضحة في الخريطة الاستراتيجية العالمية اليوم .
وأما الاستعمار السياسي والتبشير المسيحي والغزو الصليبي فقد استغل الاستشراق استغلالا فظيعا لفرض الوصاية أيضا على العالم العربي والإسلامي ، بينما استمد المستشرقون قوتهم من ضعف العرب والمسلمين السياسي والمادي وعجزهم عن معرفة ذاتهم في خضم التخلف الحضاري والاقتصادي في العصور الأخيرة .
الوصاية الفكرية
وحينما يضع العرب والمسلمونعن أنفسهم أغلال الوصاية الفكرية ويتحررون من عقدة التخلف الفكري والعلمي ومن عقدة مركب النقص تجاه كل ما يأتي من الغرب ويتركون نظرة التقدير والتعظيم إلى نهج الغرب في كل شيئ ، وعادة تلقيه بدون فحص وتمحيص ، يعرفون حق المعرفة أن الهدف الديني كان وراء نشأة الاستشراق ودعم الدراسات العربية والإسلامية في أوربا وأن إقامة مؤسسات ضخمة تصرف عليها ثروات باهظة لدراسة التراث الإسلامي لم يكن أمرا عاديا ولا من قبيل الصدفة ، وباختصار شديد أن جهود المستشرقين بصفة عامة تسير دائما في اتجاهات متكاملة مرتبة هي :
أولا : نشر التبشير المسيحي بين المسلمين .
ثانيا : إظهار نقائص مزعومة في الإسلام وحجب حقائقه عن المسيحيين لمنعهم عن الاطلاع على حقيقة الدين الإسلامي وخطر اعتناقه .
ثالثا : محاولة لإبراز أن الإسلام دين مأخوذ من اليهودية والنصرانية وبالتالي الانتقاص من قيمته والحط من قدر نبيه وكتابه القرآن الكريم .
وأن المستشرقين يعملون لتحقيق هذه الأهداف من وراء ستار علمي وتراثي بوعي ونظام .
ومن الصعب على أي باحث تاريخي حاد البصر ومرهف الحس أن يعتقد أن هؤلاء المستشرقين المشتغلين بدراسة الإسلام وحضارته وتاريخه ونبيه وكتابه ، وأكثرهم مسيحيون ومتدينون ، يخدمون دينا ينكر عقائد أساسية في النصرانية ويفندها مثل عقيدة التثليث وعقيدة الصلب ، وبعد هذا كله أنهم لا ينسون أن الإسلام هو الدين الذي قد قضى على النصرانية في كثير كم بلاد الشرق وحل محلها ، وبث نفوذه في عقر دارها في أوربا قرونا عديدة .
تحقيق الاستقلال الفكري
وقد حان الأوان لأن تعمل الطبقة المثقفة من العرب والمسلمين لتحقيق الاستقلال الفكري والشعور بشخصيتهم وقيمة حضارتهم وتراثهم والشعور بالخجل من الاتكال على المستشرقين في معرفة ما عندهم من عقيدة وتشريع وفقه وتراث علمي ، وكذلك ينبغي لعلماء العرب والمسلمين وباحثيهم ومحققيهم أن يستعملوا نفس المعايير التي يأخذ بها المستشرقون عند نقد تعاليم الإسلام وتاريخه ونبيه وأئمته ، في نقد ما عند الغرب من دين وحضارة وكتب مقدسة وعلوم وتراث ، وعندئذ تظهر الصورة الحقيقية عن عقائدهم وحضاراتهم وعلومهم الخاصة بهم ، فلعلهم يخجلون بما عندهم وينبهرون بدورهم ، بما عند العرب والمسلمين في الحقيقة قبل التشويه والتحوير ، وربما يستمرون في التحريف والتضليل ، ويعرف كل باحث منصف وعاقل محايد أن كتب العرب والمسلمين وتراثهم هي المصادر الأصيلة لعلوم الغرب وحضارتهم ، وأن كل المسلمين عنها غافلين ، وقد انقضى العهد الذي كان فيه المثقفون – المستغربون – من المسلمين يعتمدون ف مصادر معرفتهم للإسلام وعلومه وتاريخ حضارتهم وأئمتهم على مؤلفات ومعاجم المستشرقين ، وقد حان الأوان لأن يرفعوا عار الاتكال في فهم دينهم وتراثهم على ما يكتب الغرباء عن اللغة العربية التي هي وعاء العلوم الإسلامية ، وعلى ما ينشره الأعداء المرتبصون وأهله عبر العصور .