الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م
ينبغي لكل مسلم غيور بل ولكل إنسان ذي فهم وإدراك ولو لبعض التصورات الصحيحة عن المبادئ الإسلامية والقوالب التي وضع في إطارها القرآن والحديث النبوي كيان الأمة الإسلامية وعين في حدودها بناء الإخاء والوفاء والوئام بين أبناء هذه العقيدة السمحاء والشريعة البيضاء أن يدرس ويعي الأوضاع الراهنة والحالات الطاحنة التي تمر بأمة الإسلام أو يمرون بها في طول البلاد وعرضها في أرجاء الدنيا في نور هذه الإرشادات أو الإشارات النبوية الخالدة ومنها التصور النبوي الحكيم عن بنيان المجتمع الإسلامي فيقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :”المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه” (متفق عليه) . ثم التصور البياني عنكفية العلاقة بين المسلمين فيقول :”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه) .
وبعد أن أوضح بخير الأمثلة كيفية البيان الإسلامي وصورة التعامل بين المسلمين يحذر رائد الأمة عن تسرب أسباب الاضطراب والخراب إلى كيانها فيقول :”لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبغ بعضكم على بعض وكونوا عباج الله إخوانا ، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه” (رواه مسلم) ، وهكذا وضع الإسلام القواعد الأساسية لبناء أمته وبين أسباب التصدع والانهيار والضعف والانحلال في صفوف المجتمع الإسلامي وأقام الحواجز والسدود والموانع لحمايته من السقوط في ظل الإخاء الإسلامي النزيه الذي أرسى قواعده الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون في عاصمة الإسلام الأولى واتسعت ملامحه وروفاده وفوائده الرائعة الملحوظة في كل بقعة وأمة عاشت في ظلال النظام الإسلامي طوال خير القرون .
ومن المعجزات النبوية الكبرى أن نرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، بعد توجيهاته المؤكدة المكررة في أحاديث صريحة وبأمثلة واضحة صورة الأخوة الإسلامية الحقيقية ووسائل تحقيقها وقواعد توطيدها ، نراه ينذر بأروع تصوير وأخطر تحذير عن حالة التفرق والتصدع في المسلمين وبالتالي الخروج المأساوي عن دائرة البنيان الأخوي فيقول : “ألا فلا ترجعوا بعدي كنار يضرب بعضكم رقاب بعض” (متفق عليه) . ثم يقول :” المسلم من سلم المسلمون من لسان ويده” (متفق عليه) .
وهنا يجدر بنا أن نضع في الاعتبار هذه التساؤلات الثالاثة قبل أن نضع النقاط على الحروف وهي : ما هو المفهوم المنطقي الحقيقي للهجة الجازمة العازمة لرسول الإسلام في تصوير اقتتال المسلمين بقوله : “لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض” ، وقوله في وصف المسلم : “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” فهل يحصل ضرب رقاب بعضهم بعضا بين المسلمين حقا ؟
وهل يفعل أعداء المسلمين من الخارج أجثر وأخطر مما يفعلون بأنفسهم في ديارهم وفيما بينهم ؟ وهل هناك دعوة إصلاحية ورسالة إنسانية كالإسلام تدعو إلى إقامة الإخاء والتعاون والعدل والمتوازن حتى مع المخالفين لنا في العقيدة والنظرية ونظام الحياة ماداموا لا يحاربوننا ظلما وعدوانا حيث نص القرآن فقال :”لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ” (الممتحنة : 8) . وفل يعامل المسلمون اليوم في ديارهم مع أبناء دينهم كما يعاملون مع من يخالفهم دينا بالعدل والتعاون والتعاطف وحقن الدماء وبدون أذى وعدوان ؟
وبعد : فهل ينتبه المسلمون إلى تصوير النبوي لحالتهم اليوم بلهجة صرمة حازمة ؟