الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 26-أكتوبر-1986 م
تدل كلمتا الانحراف والانحلال – لغويا واصطلاحا – على الميل عن الاستقامة والقاعدة الثابتة على انفكاك الربط وانفصال الوثاق وحل العقد المحكم ، وان معنى فعل “انحرف” هو التحول عن القاعدة الثابتة التي يقوم عليها الشيئ أو الشخص والتمايل إلى خارج القاعدة والسقوط عنها إلى الهاوية وبعبارة أخرى الخروج عن الخط السوي الذي ينبغي أن بسير فيه ، ومن هنا يقال : انحرف القطار عن الخط أو انحرفت المركبة عن مسارها فسقط وهللك الركاب وتحطمت المركبة ويحصل هذا الانحراف أما بخلل أو ضعف في القاعدة أو الخط المسار أو بضعف في الشيئ المقام عليها والسائر فيه بحيث لا يستطيع التماسك بنفسه والاحتفاظ بتوازنه أو عطب أو تلف في عناصره الأصلية أو الإنسانية ، وهذه قاعدة فطرية وعادة ملموسة ومحسوسة في الكائنات كلها فأما الإنسان الضعيف في قوة الإرادة والعزيمة بتخوف يمينا وشمالا كلما يتعرض لهزة خفيفة وهبة طفيفة من الرياح العاتية ، أو يتأثر بوسوسة عارضة من الموسوسين من الجنة والناس أي الذين يعملون في الخفاء لإفساد الناس وعلنا بطرق مختلفة فإذا كانت قوة إرادته ضعيفة وشوكة عزيمته واهية لا يقدر مقاومة تلك الوسوسة المفسدة المهلكة كما لا يستطيع التماسك بعقيدته وشخصية ومقوماته أما تلك التيارات التي تحاول إقلاع القاعدة التي يقوم عليها أو تعمل لإقلاعه هو منها فينحرف نتيجة لذلك الضعف النفسي والإرادي عن الخط المستقيم فينهار في الهاوية والتهلكة ، وأما قوى النفس وقوى الإرادة وقوى الإدراك والفهم فينتبه إلى مخاطر الوسوسة الداعية إلى الانحراف عن ذلك الخط ويتماسك بمبادئه ومصالحه ويحتفظ بتوازنه وثباته على القاعدة القويمة فلا ينحرف ولا ينحاز ولا يتحول عن الخط الذي رسمه لنفسه على بينه وبصيرة .
متى ينحرف القطار عن الخط ؟
ومن المعروف المشاهد أن القطار ينحرف عن الخط السوي عند خلل في القطار أو عطب في مسار الخط ، وكذلك يدل انحراف الإنسان عن طريق المستقيم ، إيمانا أو عملا أو خلقا على خلل في نفسه أو في المنهج الذي يسير عليه في حياته فكل منهما يحدث الضعف والعطب في نفسه وعدم التوازن في وعيه وإدراكه للأمور والنتائج المترتبة على ما يعمله ويرتكبه من الأخطاء والانحرافات ، وأن أي نوع من الانحراف فهو خروج هن الوضع الطبيعي والطريق القويم فلا يحصل ذلك إلا من الجهل من ذلك الموضع أو الصعف في النفس من السير فيه والتمسك به بعلم وإرادة .
ومن هذا المنطلق نفهم قوله تعالى : “وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ” (آل عمران : 146) .
ولا شك في أن الانحراف عن الطريق المستقيم إما ناتج من الضعف في النفس والوهن في الإرادة أو الاستكانة وعدم القدرة على الصبر والثبات كأنه هيكل إنساني من الخشب المسندة بدون شخصية ذات مقومات وإرادة ذات العزائم .
وكيف ينحل العقد ؟
إذا كانت العقدة مربوطة برباط وثيق لا ينفصم عراها ولا تتناثر الدرر المنخرطة فيها في الهواء فتصبح هباء منثورا ، وعندما ينحل العقد الذي ينخرط فيه شخصية الإنسان المنظمة القويمة الصحيحة ، إما بسبب خلل أو ضعف في ذلك العقد الذي ما كان منفصما ثم طرأ عليه الصدأ أو العطب فانفصم وانحل فصارت أخلاق صاحبه بدون ضوابط ولا قواعد وبالتالي منحلة ومسيبة ومتماعية وصار بنفسه منحل الأخلاق ومختل الأمزجة ومهزوز الشخصية وضعيف الإرادة ومطية الأهواء ، وقال تعالى في شأن أصحاب العزائم الذين لا ينحرفون ولا يتخلون خلقا وسلوكا ويتماسكون بإرادة النفس صبرا وإيمانا : “وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور” (آل عمران : 186) .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
” مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون” (العنكبوت : 41) . صدق الله العلي العظيم .
من الهدي النبوي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئا ” (رواه مسلم ) صدق الرسول الأمين .
من الأدعية المأثورة
قال النبي صلى الله عليه وسلم : “كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم” .