الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 7-ديسمبر-1985 م
أرسل الله سبحانه وتعالى خاتم رسله محمدا صلى الله عليه وسلم بمنهج خلقي رفيع ، وبفضل ذلك المنهج الرباني جعل الإسلام من الأمة المتفرقة المتخلفة في جميع مرافق الحياة البشرية ، أمة متحدة ومتقدمة في كل المجالات الحضارية ، ودعا ذلك المنهج المحمدي الناس كافة إلى الوفاق والوئام والسلام ، وصار المتمسكون به إخوة متراصة ومتماسكة كأعضاء الجسم الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
مفتاح الوفاق والارتقاء
لقد وضع الإسلام مفتاح الوفاق والصداقة والرقي في المنهج الخلقي الذي يسير عليه الأفراد والجمعات في كل مجتمع وشعب وأمة ، وأن التنكر لذلك المنهج الخلقي يشكل منحنيا خطيرا المتردي في مخاطر الفرقة والتخلف الأخلاقي وبالتالي إلى التخلف الحضاري . وأما المنهج الخلقي في الإسلام فريد في نوعه ، ومجيد في أهدافه . ومفتاح ذلك المنهج “الأخوة الإسلامية” وإنما هي “الأخوة الإنسانية” بمعناها الأشمل والأكمل . ويبين الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الحفظ والفهم : فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه . وسباب المسلم فسوق فقتاله كفر ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه . وترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد ، والمؤمن لمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا .
بداية أزمة العالم الإسلامي
إن التنكر لهذا المنهج الإسلامي الذي كان مفتاح السر لنجاح وارتقاء الأمة الإسلامية في عصورها الأولى ، كان بداية مؤسسة لأزمة العالم الإسلامي كله ، وبعد أن كان المسلمون – أفراد أو جماعات وحكومات – عونا فيها بينهم ، ويدا على من سواهم ، وليسوا بطانة لأعدائهم ضد مجموعة منهم ، وكانوا يسترون عيوب إخوانهم ويقبلون أعذار المخطئين منهم ، وما كانوا يتلمسون عيوب بعضهم بعضا ، ولا يتربصون فيما بينهم ويساعدون إخوانهم المحتاجين في السراء والضراء ويفرحون بأفراح إخوانهم ويحزنون مع أحزان الآخرين منهم ، وهكذا كانوا أنبل الأمم ، وأعلاها أخو وصداقة وتعاونا وإخلاصا .
فمنذ أن بدأ المسلمون يتنكرون ذلك المنهج القويم ، ويبتعدون عن آداب الإسلام في مجال الأخوة والصداقة والعلاقة ، دخلوا في عصر المحنة ، وبدأ كل جماعة منهم تنظر إلى الأخرى بعين الريبة وسوء الظن فكلهم إخوان في الدين والعقيدة وربهم واحد ، ورسولهم واحد ، وكتابهم واحد ، بل ومصيرهم واحد .
المحنة مستمر
وأن المحنة التي بدأت منذ أن تنكر المسلمون لمنهج الخلاص والنجاح ، لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا ، وكل جماعة تلوم الأخرى وكل فرقة تفتعل الاتهامات والأباطيل ضد أخرى ، وكل دولة في العالم الإسلامي تهمز وتلمز بالأخرى ولا نجاة لهذه الأمة الإسلامية من هذه المحنة التي تحيط بها من كل النواحي ، إلا العودة إلى طوق النجاة الذي في حوزتهم ، وتخلوا عنه في غفلة أو غفوة . وعندئذ نرى العالم الإسلامي نموذجا حيا للعلاقات الإسلامية النبيلة بل الإنسانية ، كأفراد وجماعات ودول وحكومات . وعليهم أن يأخذوا هذا المنهج الخلقي القويم من إمامهم وسيدهم ورسولهم الأمين ، لا في أحد غيره فقال عنه رب العالمين : “وإنك لعلى خلق عظيم ” .
الرسول الهادي ينادي …
إن سيدنا ورسولنا ونبينا صلى الله عليه وسلم ينادينا على قمة الزمن ونحن الآن في قمة المحن : لا ترجعوا بعدي كفارا ، يلعن بعضكم بعضا ، ويضرب بعضكم رقاب بعض . وكونوا عباد الله إخوانا !!!
ويقول الرسول الهادي أيضا : “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” . فلا ينبغي لنا البحث من عثرات الآخرين ، والريب في إخلاص الناس والظن في حق الغير ، وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه ويحب أن يكون عونا له وليس عونا عليه . وأن سلامة إسلام المرء وفي سلامة علاقاته بأخيه . وهنا يتضح مغزى وفحوى قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” فما أصدق الرسول الأمين !
وقد آن الأوان ليعود المسلمون إلى شاطئ الأمان ، وليحملوا طوق النجاة من محنتهم اليوم ! .