بمناسبة استقبال العالم الإنساني عاما جديدا في عصره الحديث
وقفة ونظرة حول : ملامح من ظاهرة الصحوة الإسلامية في العالم خلال السنوات الأخيرة ..
الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 2-يناير-1986
(دراسة وتحقيق)
للصحوة الإسلامية أجنحة يطير بها روادها وقاعدة تنطلق منها طاقاتها
نشر الدعوة الإسلامية ينقذ البشرية من أضرار المادية والإباحية والإلحاد
الذين كانوا يتهمون الإسلام بالرجعية يتفاخرون اليوم بالانتماء الإسلامي
يرجع الفضل الأكبر في تحقيق هذه الصحوة الإسلامية وتكثيف وعيها في العالم ، خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين الميلادي إلى عوامل شتى ، ومنها الهيئات والجماعات والمنظمات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم ، ومن تلك العوامل أيضا ظهور شخصيات إسلامية لهم صولات وجولات بارزة في نشر الوعي الإسلامي بأقلامهم وألسنتهم ، وفي مواجهة التحديات الفكرية والعقائدية التي يوجهها بعض الجهات المغرضة نحو تعاليم الإسلام وكتابه ورسوله .
ومن عواملها التي ظهرت في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة كثرة الندوات المؤتمرات والدولات الإسلامية التي تنعقد في مناسبات شتى وفي أماكن مختلفة تحت إشراف ورعاية منظمات وهيئات وجامعات لها نشاط مكثف ومركز في مجال خدمة الإسلام والمسلمين .
أجنحة الصحوة الإسلامية وقواعدها
وفي مقدمة تلك المؤسسات الإسلامية العالمية التي لها يد طولى في خدمة الدعوة الإسلامية ونشر العلوم الدينية والعربية في أرجاء العالم منذ القرون ، حسب تقلبات الزمن وتطورات العصر الأزهر الشريف بمصر الذي يعتبر أقدم وأكبر مركز إسلامي على وجه الأرض ، وله تاريخ وضاح الجبين ومشرق الثغر في خدمة العلم والدين منذ أن تأسس في القاهرة المعزية قبل ألف عام من الزمن ، فخرجت فطاحل العلماء يحملون مشاعل العلوم الإسلامية والعربية إلى مشارق الأرض ومغاربها ولا يوجد الآن معهد أو جامعة أو مركز في أية بقعة في العالم يقوم بنشاط إسلامي إلا وللأزهر ولأبنائه المنتمين إليه والمتخرجين دور ملموس وحظ موفور بصورة أو أخرى .
ومن المؤسسات التي ظهرت في العصر ، ولها دور ملحوظ ونشاط مرموق في خدمة الإسلام والمسلمين رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، ومنظمات أخرى عديدة إقليمية في البلاد العربية وأفريقيا وأوروبا وأمريكا وخاصة في شبه القارة الهندية وبلدان الشرق الأقصى من قارة آسيا .
الجماعات الإسلامية
ومن قواعد الانطلاق للدعة الإسلامية في العصر الحديث بعض الجماعات التي قامت في النصف الأول من هذا القرن ببرامج ثابتة ومناهج خاصة نشر الدعوة الإسلامية بين الناس ، ومنها جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر تحت زعامة الشيخ المرحوم حسن البنا ، ولها دور كبير في نشر الوعي الإسلامي بين الشباب والشيوخ والعلماء والعوام على حد سواء ، وقد انتشرت فورعها في أنحاء مصر وطار صيتها في سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي من خلال فترة وجيزة بقوة اندلاع جذوتها ومركزية مصر الاستراتيجية في العالم .
ومن الجماعات الإسلامية قامت في تلك الفترة الزمنية ببرامج ومناهج متقاربة ومتماثلة للإخوان المسلمين “الجماعة الإسلامية” التي تأسست في شبه القارة الهندية تحت رياسة المرحوم مولانا أبو الأعلى المودودي ، ولها أيضا دور ملحوظ في نشر الوعي الإسلامي بين الطبقة المثقفة من مسلمي الهند وباكستان وبنجلاديش بصفة خاصة ومسلمي العالم بصفة عامة ، عن طريق بث النهضة الفكرية من خلال الكتب والمؤلفات والصحف من مختلف اللغات إلى جانب الخطب والندوات .
ومن الجماعات التي لها دور مؤثر في نشر الإسلام في مختلف أنحاء العالم “جماعة التبليغ” التي انطلق نشاطها من قاعدتها الأساسية في الهند ويصل أصحابها الآن بنشاط التبليغ العملي إلى شتى أقطار الأرض ، ولهم فضل معروف في تغيير النفوس إلى الانطباع بالتقوى وأداء الواجبات العلمية بدقة وخشوع ، ومن أهم مظاهر هذه الجماعة الاعتماد على النفس في الإنفاق في سبيل الخروج من أجل الدعوة وعدم الالتجاء إلى أية جهة أو شخص ، من أجل التبرعات أو مساعدات مالية بل وكل منهم ينفق من دخله الخاص في مأكله ومشربه ومسكنه وسفره ويمكن أن يطلق على منهج دعوتهم : الجهاد بالنفس والمال ! .
ومن المراكز الإسلامية والعلمية التي تلعب دورا هاما في نشر الوعي الإسلامي بين مختلف طبقات المسلمين :”ندوة العلماء” في الهند تحت إشراف الداعية الإسلامي العالمي سماحة الشيخ أبو الحسن علي الندوي ، ومما لا شك فيه ان لهذه المؤسسة مع علمائها ومطبوعاتها وصحفها دورا كبيرا في تنشيط الصحوة الإسلامية في تلك الجهات من العالم ومن الجهات التي تخدم الإسلام والمسلمين في حدوده محلية وإقليمية في شبه القارة الهندية التي لها وزن ودور في كفة العالم الإسلامي الأوسع جمعية العلماء وجماعة أهل الحديث ، وندوة المجاهدين بكيرالا ، ولهذه المؤسسات والجماعات ورجالها البارزين ومطبوعاتها في شتى اللغات أصداء واعية لتكثيف الصحوة الإسلامية في أركان العالم بصورة أو أخرى ، والبحر يتكون من القطرات ومن هذا المنطق الواقعي لا ينبغي لنا الانتقاص من قيمة خدمات أنه جهة أو شخص بصرف النظر عن حجم تلك الخدمات ووزنها لأن كلا في دائرة تخصصه وعلى شاكلته ، ولكن الاعتبار بالإخلاص وصدق النية ودورها في خدمة الوعي الإسلامي في إطاره العام !.
دروس من حياة السلف الصالح
وإذا درسنا تاريخ حياة السلف الصالح ودورهم في نشر الدعوة الإسلامية نرى أنهم خلال فترة وجيزة من الزمن قد غيروا واقع الحياة بالسلوك العلمي والقدرة الحسنة ، وعرفوا أن هذه الدعوة هي سبيل العزة والكرامة وإنقاذ البشرية من أضرار الأهواء النفسية والإباحية المظالم والفتن فانطلقوا بها إلى بقاع الأرض لنشرها إلى كافة الناس ، وكانوا بسلوكهم العملي وإخلاصهم لله تعالى خير دعاة إلى هذا الدين ، وفي خلال فترة وجيزة من الزمن غيروا واقع الحياة التي كانت سائده في الدنيا ، لأنهم قد غيروا أنفسهم أولا لأن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وكانت دعوتهم تطبيقا علميا من كل تطبيقا علميا من كل تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم ونعلم من واقع التاريخ أن الإسلام قد وصل إلى الشرق الأقصى والصين وإلى أقصى أوروبا الغربية من خلال الدعاة الذين كانوا بحكم المهنة تجارا وبحارة ، وسواحا ، وكانوا إلى جانب مهنتهم دعاة عمليين ومثاليين في تصرفاتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم بالناس على اختلاف دياناتهم وأجناسهم ولغاتهم ، فنشروا الحياة الإسلامية في سهولة ويسر وهدوء وسلام ، حتى نرى الآن آثارهم الخالدة في الملايين الأقليات المتمكنة المستقرة في تلك النواحي البعيدة عن مراكز الانطلاق الأولى للدعوة الإسلامية .
فترة الضعف في كيان العالم الإسلامي وخلال سنوات الاستعمار الغربي والتخلف الفكري ، انتاب الدعوة الإسلامية ضعفا في قلوب أبنائها فضعفت قواعد الدعوة الإسلامية واضمحلت مكانتها في نفوس المسلمين وأصبح عدد القائمين قليلا ، وتحولت مهمة الدعوة إلى نوع من الاحتراف والتوظف الروتين ، وصارت مادة دراسية وأحيانا تخصصية في بعض الجامعات والمعاهد ، وابتعد أثرها عن مجالات الحياة اليومية ، وصارت الميدان خاليا لزرع الإلغام في ساحات الصحوة الإسلامية ، ولكن الإسلام نور الله تعالى ، يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
ملامح الصحوة الجديدة
وبعد أن عاشت الأمة العربية والإسلامية قرونا تحت الاستعمار والتخلف والابتعاد عن الإيمان بالله الحق ، انطلقت صيحات الهدى والوعي الإسلامي في البلاد التي كانت تعيش في ظروف بعيدة عن بيئة إسلامية من حكم علماني او إلحادي أو إباحي ، وانطلقت الدعوة الإسلامية من قواعد شتى في البلاد التي كانت الظروف فيها أبعد مما يتصور ، عن تكون فيها أجنحة تطير بنفحات الوعي الإسلامي ، وقد صار الشباب الذين كانوا يستحيون من قبل أن ينتموا للإسلام بل أي دين ، رواد هذه الدعوة ويستحثون عزائم وهمم الشيوخ ! وظهرت آثار هذه الدعوة في كل مكان على أيدي وسواعد روادها من العلماء الباحثين والكتاب المؤلفين والصحفيين الإعلاميين والأثرياء والأسخياء والأغنياء والأتقياء حتى لا يتسع المجال ولو لإشارة إلى زمرة منهم لأن الأمثلة كثيرة وعديدة .
ضرورة الحذر والحيطة
ومن الضروري جدا في هذه الفترة وفي هذه الآونة بالذات أن يتخذ رواد العاملين في مجال الدعوة الإسلامية كل حذر وحيطة لأن هناك أعداء متربصين لإيجاد ثغرة ينفذون منها إلى قلاع الدعوة الإسلامية ، ويزرعون الألغام في ساحاتها وتقوم اليوم في مختلف أنحاء العالم مؤسسات مناهضة للصحوة الإسلامية بالابتزاز والضغوط المادية والمعنوية لإيقاظ هذا التيار الذي هو في الحقيقة ينفذ البشرية من الأضرار المادية والإباحية التي تكتسح الإنسانية في هذا العصر النووي “الإيدز” الفتاك ، ولكن الأهواء والشياطين في المرصاد لكل العباد .
في الإسلام ،لا تبرر الغاية الوسيلة !
ومن خصائص الإسلام أن الغاية لا تبرر الوسيلة ، فيجب أن تكون الوسيلة والغاية كلتاهما مشروعتين ونظيفتين ومطابقتين لمفاهيم الإسلام ومبادئه وتعاليمه ، ومن هنا ينبغي أن يفهم ويتفهم كل من ينصب نفسه لمهمة نشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها للناس في كل زمان ومكان ومجال ، أن كل حركاته وسكناته وتصرفاته وعلاقاته بالناس ومعاملاته معهم يجب أن يكون مطابقا للتعاليم الإسلامية ومأخوذا من النماذج التي أبرزها المنهج المحمدي في نشر الدعوة إلى كافة الناس ، وساد عليه السلف الصالح نموذجا للقوة الإيمانية والأمانة الخلقية والعغة النفسية ، بعيدا عن المآرب الشخصية والمطالب الذاتية والضجات الإعلامية .
عبر ودروس من أخطاء الماضي
ومن الضروري أيضا في هذه المرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية وفي هذه الفترة من فترات صحوتها استخلاص العبر والدروس من أخطاء الماضي من الهزائم والهزات والزلات والنكسات مع حذر شديد من حبائل المتربصين للوعي الإسلامي ، ومن أوجب الواجبات على حاملي مشاعل هذه الدعوة الابتعاد عن كل شائبة من شوائب التعصب والتشدد والتطرف والتسرع في اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام قبل التبين والتريث والاستناد إلى دلائل قاطعة وأدلة واضحة .
وكفى لكل من نصب نفسه لخدمة هذه الدعوة ولإعلاء هذه الصحوة فخرا واعتزازا قوله تعالى : “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” .