الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 3-يونيو-1987 م
العاومل الخفية التي تحدد موقف الاستعمار الغربي من الصراع الإسرائيلي العربي
وكل منها يهدف إلى إضعاف العالم العربي والإسلامي وإلى اتخاذ إسرائيل وسيلة للاحتفاظ بموقع قدم ثابت للدول الغربية في المنطقة العربية
بواعث الأزمة المتزايدة في المنطقة العربية وأسرار تواطؤ القوى الاستعمارية مع الصهيونية العالمية
في هذه المناسبة التي يتذكر فيها العالم كله بواعث وملابسات ونتائج وخيمة لحرب يونيو المشئومة عام 1967م حيث منى فيها العالم العربي والإسلامي بنكسة كبرى لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث والقديم ، ينبغي لكل عربي ومسلم بل وكل إنسان منصف أن يبعد إلى ذاكرته الأسباب المباشرة لفكرة الصهيونية العالمية والعوامل الخفية وراء مساندة الاستعمار الغربي لقيام إسرائيل كبديل للشرق العربي الذي يتحرر سياسيا واقتصاديا وكمركز لنشر البضائع الغربية في البلاد الشرقية .
حقائق عن فلسطين
إن فلسطين التي اغتصبتها العصابة الصهيونية بمساعدة الدول الاستعمارية لمن أشرف بقاع الأرض وأقربها إلى قلوب المسلمين ، وتحدثنا فعلا في الأعداد السابقة عن تاريخ نشأة قضية فلسطين وتطورها وكيفية وقوع هذه البقعة العربية الإسلامية في براثن الصهيونية على رغم شهادة العالم والتاريخ بأنها ملك العرب ، ثم تطرقنا إلى ما يجب على العرب والمسلمين من عمل إيجابي موحد لوضع حد لهذه المخاطر التي تحدق بالعالم الإسلامي كله ، والآن نلخص دعائم الارتباط الوثيق بين العالم الإسلامي وبين فلسطين ، في النقاط العشر التالية وهي دعائم موطدة الأساس وقائمة إلى يوم القيامة :
1 – إن فلسطين ملتقى الإسراء والمعراج بنص القرآن الكريم والسنة النبوية ، وقد اختار الله تعالى المسجد الأقصى بفلسطين لرحلة الإسراء والمعراج التي خص الله بها النبي العربي في حياته دون سائر الأنبياء ، وأصبحت فلسطين نقطة ارتكاز وموضع انطلاق له عليه الصلاة والسلام إلى ما فوق السماوات ، ليتبين للعالم أن هذه البقعة مباركة عند الله وملك للمسلمين وستبقى كذلك إلى الأبد ، فيقول القرآن الكريم :”سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير” .
2 – كانت فلسطين مكان ميلاد إسماعيل بن إيراهيم أبي الأنبياء وجد العرب الأول والذي خطط بيت الله الحرام ، ورفع الكعبة مع ابنه إسماعيل كما يقول الله تعالى :”وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم” ، وكان إبراهيم يحج البيت الحرام ويزور زوجته هاجر وابنها إسماعيل بجوار الكعبة ، كل عام ، فإذا علمنا أن إبراهيم أول العرب المستعربة ورافع قواعد الكعبة ومخطط مدينة مكة ، نرى ان فلسطين بلد إبراهيم ومولد إسماعيل ، بلد عربي أصيل منذ أقدم العصور ، كما أنها بلد محبوب إلى العرب والمسلمين جميعا ولن ينسوها وتاريخها ومقدساتها المرتبطة بهم برباط وثيق .
3 – كانت فلسطين موطن العرب منذ فجر التاريخ القديم فقد كان المناذرة يقيمون في عصور الفرس ، كما أقام بها الغساسنة في عصور الروم ، هذا قبل ظهور الإسلام بزمن بعيد ، ولما جاء خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتحت فلسطين للعرب مرة أخرى وقام البطارقة المسيحيون من عند أنفسهم بتسليم مفاتيح بيت المقدس إلى عمر خليفة المسلمين ، كأن قطعة من الأرض العربية الإسلامية كما أثبت التاريخ وإجماع الناس ، وفضلا من أنها مواطن جد العرب ومنتهى رحلة الإسراء ومفتتح رحلة المعراج لمحمد صلى الله عليه وسلم .
وفي معرض البحث الذي يثبت أن فلسطين بلد عربي أصيل مذ أقدم العصور ، نذكر التحقيق الذي قدمه الدكتور إسحق موسى الحسيني ، الذي يعتبر حجة في المسألة الفلسطينية ، فيقول في بحثه عن أسماء كثيرة وردت في كتب المؤخرين والجغرافيين ومنها يرد سليم ويرد شالايم – وشلم – وشليم – وسلم – ويبوس – وصهيون – وموريا – وايليا – وبيت المقدس – والقدس ، وما إليها ، وتذكر معاجم الكتاب المقدس أن أقدم اسم للمدينة ورد في نصوص الطهارة المصرية في القرن التاسع عشر قلب المسيح بصورة (يورد شاليم) ، وكانت يومذاك مركزا لعبادة الكنعانيين الذين سكنوا البلاد قبل بني إسرائيل ، إذن ليس صحيحا ما تزعمه الصهيونية من أن اليهود هم الذين أسسوا “أورشليم” فالثابت علميا أن هذا الاسم مأخوذ من لغة الكنعانيين .. والاسم مركب كلمتين “يورى” ومعناها مدينة ، و”شليم” وهو اسم إله كان الكنعانيون يعبدونه .
شواهد تاريخية
ومما يؤكد هذا ورود الاسم في رسائل تل العمرانة المصرية الفرعونية في القرن الرابع عشر باسم (يورد شالم) ثم بعد ذلك في النقوش الاشورية “أوردسليمو” ثم “شاليم” التي جاء ذكرها في سفر التكوين ، أو أسفار العهد القديم بمناسبة قدوم “ابرام” إبراهيم العبراني إلى أرض الكنعانيين ، وعلى كل حال فالاسم كنعاني قديم ، والمدينة كنعانية قديمة وجدت قبل داود ينحو تسعمائة سنة ، وبداية الاسم بالياء بالعبرية مطابق للنطق الكنعاني وبدايته بالهمزة على وفق النطق الاشوري والسرياني والعربي .. وبيت المقدس وهو الاسم الذي شاع بعد الفتح الإٍسلامي ومعناه “بين المطهر” يتطهر به من الذنوب ، وفي النص العربي “مدينة القدس” وفي إنجيل متى “المدينة المقدسة” ويضاف إلى أن بيت المقدس يرد في المصادر العربية مرادفا لمسجده ، وأما اسم “القدس” قمأخوذ من اللغة العربية الحديثة بعد الفتح الإٍسلامي .
4 – كان القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين منذ بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وقد اتجه إلهي الرسول في صلواته سبعة عشر شهرا ، وأن المسجد الأقصى في فلسطين ثالث الحرمين بعد الحرم المكي والحرم المدني ، وهذه هي الأماكن الثلاثة التي يحرص المسلمون على حمايتها أشد من حرصهم على حياتهم .
5 – وأن المسجد الأقصى في فلسطين ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها ، وقد حددها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله :”لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى” ، رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وبين عليه السلام في حديث آخرمقدار الفضل الذي يناله مرتاد المسجد الأقصى ، فقال :”صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الأقصى” ، رواه أحمد عن عائشة وأبي هريرة ، وروى الطبراني وابن خزيمة في صحيحه عن أبي الدرداء :”صلاة في بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسمائة صلاة” ، وهذا التحديد الواضح من رسول الله لهذه الأماكن يدل على منزلتها عند الله ومكانتها لديه .
وكان اتجاه الرسول والمسلمين إلى المسجد الأقصى في صلاتهم أول الأمر لتأكيد أخوته عليه السلام لجميع الأنبياء السابقين ، وكانت رحلته في ليلة الإسراء من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى للربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا ، وكلما أريد بهذه الرحلة التاريخية إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قلبه واشتمال رسالته بها جميعا ، ولتنبيه المسلمين على وجوب الحفاظ على المسجد الأقصى والحرص على قداسته كما يحافظون على البيت الحرام وقد دخل الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج ، بيت المقدس وصلى إماما لجميع الأنبياء والمرسلين ولذا نحرص نحن المسلمين على هذا المكان أشد من حرصنا على أرواحنا وندافع عن قدسيته إلى آخر قطرة من دمائنا لأن فلسطين أرض عربية من واقع التاريخ والأحداث ، وأرض الأنبياء الذين عاشوا فيها أو هاجروا إليها .
6 – كانت فلسطين منذ فجر التاريخ جزء من المنطقة يطلق عليها اسم الشام ، والتي تضم سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين ، لم تظهر الحدود الإقليمية لفلسطين إلا سنة 1916 عندما عقد اتفاق استعماري لتقسيم البلاد العربية بين انجلترا وفرنسا ، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى ، واستعرضنا من قبل ، بعض الحقائق والأرقام الرسمية وغير الرسمية ، والآراء التي أبداها بعض ساسة العالم المحايدين عن فلسطين ورأينا منها أن فلسطين أرض عربية وملك للعرب بنفس المعنى الذي تعتبر فيه انجلترا ملكا للانجليز وفرنسا ملكا للفرنسيين ، ورأينا أيضا في ضوء تصريحات الوكالة اليهودية ذاتها أمام الأمم المتحدة وغيرها ، أنه لم يكن أي يهودي في فلسطين عام 1880 م .
7 – إن قيام إٍسرائيل بمثابة خنجر في قلب العالم الإسلامي فقد احتلت الصهيونية الغشيمة أرض فلسطين وأخرجت أهلها وأصحابها من ديارهم واحدة بعد أخرى وامتصاص ثرواتها وتفتيت قواها واغتصاب المقدسات الإسلامية .
8 – إن إسرائيل في الواقع التاريخي والأحداث الفعلية مستعمرة غربية استعمارية ، ولم تصل الصهيونية العالمية إلى تحقيق بعض المخططات العدوانية إلا بواسطة التدعيم الرأسمالي الاستعماري الإقطاعي ، ولا يخفى على من له إلمام بمجريات الأمور أن الاستعمار قد اتخذ إسرائيل مخلب قط وكلب صيد ، يستبقى بها نفوذه في الشرق الأوسط ، وخاصة في الوطن العربي كله بما فيه من ثروات طبيعية .
9 – إن أخطر المخططات اليهودية العالمية هو عزم اليهود على اتخاذ إسرائيل مركزا للنفوذ التجاري ، ليهود العالم ، في الشرق كله حتى يتحكموا في اقتصاد الدول الشرقية العربية والإسلامية ، كما تحكموا فعلا في اقتصاد الدول الشرقية العربية والإسلامية ، كما تحكموا فعلا في اقتصاد أمريكا وكثير من بلدان الغرب .
10 – إن إسرائيل الصهيونية ستظل مصدر القلق والمؤتمرات دائما للشرق لكه هو معروف من اليهود طوال عصور التاريخ ، ويمكن في التنبه إلى هذه النقاط العشر أمن العالم الإسلامي ومصيره ومستقبله .
الأسباب المؤدية إلى تكوين الحركة الصهيونية
وأما الأسباب المباشرة لفكرة الصهيونية السياسية ، فمنها نتائج الثورة الصناعية التي أحدثتها في التركيب الاجتماعي والاقتصادي في أوروبا ، فكان اليهود قبل هذا التاريخ منعزلين على أنفسهم في أحياء سكينة خاصة في نواحي أوروبا ، كما احترفوا أيضا مهما خاصة منزلية ويدوية ، وقد أدى تقدم الإنتاج الآلي ووسائل المواصلات بعد الثورة الصناعية إلى إصابة أصحاب هذه الحرف بأضرار إقتصادية ، وفي الوقت نفسه ازداد الموقف المعادي للسامية من جانب الأوربيين ، فما أن تولى القيصر الاسكندر الثالث عرش روسيا عام 1881 حتى بدأت المذابح بين اليهود والروس ، وساد الرعب والفزع ، إلى شرق أوروبا وألمانيا والبلقان ، وبعد عام واحد انعقد مؤتمر دولي في “درسدن” بألمانيا يطلب بمطاردة اليهود وبعدم شرعية بقائهم ، كمواطنين أوربيين ، وبإغلاق كل منافذ العمل والحياة أمامهم .
ومنذ ذلك الحين أصبح الشعار السائد بين الصهيونيين “لا مكان لليهود في أوروبا المسيحية”” ،و لم بفكر كثير منهم في أوروبا لحل مشكلتهم ، بل واتجه أغلب الذين هاجروا من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن الملاحظ بعين الاعتبار في هذه المناسبة أن عداء السامية بينما بلغ أوجه في أوربا عاش اليهود والعرب في فلسطين وما جاورها من الأراضي العربية في تعاون وسلام ، ومنذ دخول المسلمين إلى فلسطين في القرن السابع اشترك اليهود والمسلمون والمسيحيون في لغة واحدة ، حتى نشأت بينهم ثقافة واحدة واستمرت هذه الحالة إلى ظهور “الصهيونية السياسية” المتبلورة في إنشاء دولة صهيونية في فلسطين ، ثم وعد بلفور وما تلاهما من القصص الدامية .
وعندما انتقل مركز الصهيونية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ونشبت منافسة حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين لكسب الأصوات الصهيونية ، طلب ترومان الرئيس الأمريكي حينذاك من اتلى رئيس وزراء بريطانيا حينذاك أيضا أن يسمح بهجرة أكبر عدد ممكن من اليهود الأوربيين وعديمي الجنسية من معسكرات هتلر السابقة إلى فلسطين ، إذ كان هناك تيار قوي في حزب العمال يبدي ترددا في التسليم المطلق بالمطالب الصهيونية في فلسطين .
وهناك عوامل كثيرة تحدد موقف الاستعمار الغربي من الصراع العربي الإسرائيلي ، وكل من هذه العوامل بهدف إلى أضعاف العالم العربي والإسلامي ، إلى اتخاذ “الصهيونية العالمية والسياسية ” وسيلة لسلب “مفتاح الدول العربية والإٍسلامية” وضرب القوى الوطنية في المنطقة كلها .
العوامل العشرة الخفية
ويمكن أن نلخص هذه العوامل في النقاط الآتية :
1 – الاحتفاظ بموقع قدم ثابت ، للسياسة الاستعمارية الغربية ، في الشرق .
2 – خشية فريق من الأوربيين والأمريكيين من لجوء اليهود إلى بلادهم في حالة عدم توطينهم في فلسطين.
3 – وضع إسرائيل كبديل للشرق العربي ، الذي يتحرر سياسيا واقتصاديا من الناحية الاستراتيجية .
4 – معارضة أمريكا القوية النفوذ القومية العربية التي تتنافى مع مطامعها الاستعمارية سياسيا واقتصاديا في المنطقة .
5 – موقف الاحتكارات الرأسمالية التي تريد استثمارا ضخما في إسرائيل بمقابل مساعدتها الاقتصادية والعسكرية ضد العرب بصورة مستمرة .
6 – اتخاذ إسرائيل مركزا تجاريا لنشر البضائع الأجنبية في البلدان الشرقية والتنشيط فوضى التهريب والتزييف في الأسواق المحليةحتى تفقد ثقتها في كفاءتها وتنتشر البلبلة في رجال الأعمال فيها .
7 – كونها مركزا ثقافيا لتراويج المبادئ الصهوينية والامبريالية وأراجيف الدعاية الاستعمارية في الشرق كله بحيث يؤثر في معتقدات وتقاليد الأمم الإسلامية والشرقية .
8 – الاحتفاظ بجماعة عنصرية ذات النزعة الفاشية لاستخدامها عندما يريد الاستعمار الانقضاض على حريات وحقوق الأمة العربية ذات السيادة في المنطقة بواقع التاريخ والحق والشرع .
9 – خلق الضغوط والاضطرابات السياسية والاجتماعية بفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين من أنحاء العالم .
10 – انتهاك هيبة الأمم المتحدة التي تعني الحفاظ على حقوق الشعوب ومناوأة الاستعمار بطريق سماح الدول الاستعمارية الكبرى لإسرائيل الربيبة تتحدى قرارات الأمم المتحدة ووصاياها .
الأسرار الكامنة في انهزام العرب في فلسطين
وقد بدأت أولى دلائل تواطؤ الاستعمار البريطاني مع الصهيونية السياسية ، ضد حقوق الشعب الفلسيني ،عندما فتحت فلسطين على مصراعيها أمام المهاجرين اليهود ، وكانت الوكالات اليهودية ومنظمات الحلفاء تنتقي المهاجرين من الجنود المدربين ، والذين خدموا في قوات الحلفاء أثناء الحرب ، وحتى غير المدربين فكانوا يدربون على استخدام السلاح قبل ترحيلهم إلى فلسطين ، ونتيجة لهذه السياسة زادت نسبة اليهود في فلسطين من 7 عام 1918 إلى 33 عام 1947 ،في حين نقصت نسبة العرب من 93 إلى 97 في نفس المدة ، برغم ارتفاع معدل المواليد عند العرب ، ومن ناحية أخرى كانت المعونات تقدم بلا حساب للمهاجرين اليهود ليتمكنوا بها من الاستيلاء على الأراضي العربية ، فكانت البنوك البريطانية تزورهم بمختلف السلفيات والتسهيلات الأخرى .
ومن دلائل تآمر البريطانيا على الشعب الفلسطيني أنها سمحت بإنشاء الفرق العسكرية الصهيونية التي كانت تختفي تحت أسماء النوادي الرياضية وفرق الكشافة ، وسمحت لهم السلطات البريطانية بالحصول على الأسلحة اللازمة .
وفي الوقت نفسه كان محظورا على أي عربي أن يمتلك أو يحمل أي نوع من أنواع الأسلحة ، وقد نفذ حكم الإعدام في عدد كبير من الشبان العرب بتهمة امتلاك السلاح ، بل وفي بعض الأحيان بعض الذخيرة ، وبقدر عدد العرب الذين أعدمتهم القوات البريطانية رميا بالرصاص حتى عام 1947 من واقع السجلات والإحضائيات الرسمية البريطانية بعشرة آلاف فلسطيني ، كما شنقت مائة وسبعة وستين مجاهدا ، وإلى جانب ذلك كانت الحكومة تغمض عينيها من أعمال الإرهابيين الصهيونيين ، فتعرضت مساحات كبيرة من المناطق العربية للنسف والإحراق والتدمير ، وتعرض زعماؤها للاضطهاد والتعذيب والإلقاء في السجون ، وعند نهاية الحرب العالمية الثانية وجد الفلسطينيون العرب أنفسهم يواجهون جبهة قوية متآزرة ومتآمرة ، تتألف من الاستعمار الإنجليزي والاستعمار الأمريكي والصهيونية العالمية ، وهي تعمل جاهدة لتحويل فلسطين إلى دولة صهيونية عنصرية استعمارية .