مجلة الجامعة الاسلامية – المدينة المنورة
…..ماذا قدم الأزهر والأزهريون للإسلام والمسلمين ؟
…..ماذا قدم الأزهر والأزهريون للعلم والدين ؟
…..وما هي مكانته في العالم الإسلامي أمس واليوم ؟
…..وماذا كانت غايته في تاريخه المديد ؟
…..وما هي الخطوات التي اتخذها في سبيل خدمة الدعوة الإسلامية ونشر اللغة العربية في سائر البلاد ؟
هذه أسئلة تشغل اليوم ذهن كل مسلم في مشارق الأرض ومعاربها وأن المسلمين جميعا على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وعاداتهم وثقافاتهم – يتطلعون إلى هذه الجامعة التي هي أكبر وأقدم جامعة إسلامية على وجه الأرض ، ولها سجل تاريخي وصاح الجبين مشرق الغرة في نشر أشعة العلم والعرفان في أقطار العالم ، وحفظ اللغة العربية والثقافة الإسلامية في عصر التدهور والانحطاط وسيادة الاستعمار الغربي على الأقطار الإسلامية ، في مقاومة شتى تيارات الإلحاد والانحرافات والمذاهب الهدامة دعاة الفوضى والانحلال .
وهي الجامعة التي عالجت علوم الدين والأدب العربية عبر القرون. ويسرت سبلها وأكثرت كتبها وخرجت فطاحل علماء الاسلام والادب العربي وبقيت على مدي الأجيال والقرون قائمة بعملها وفيه بأمانتها وأمدت العالم الإسلامي في الشرق والعرب بما هو في حاجة إليه فاتجهت إليها أنظار المسلمين جميعا خصوصا بعد سقوط بغداد وإتلاف كتبها وذخائر مكاتبها العلمية فبدأ طلاب النور والعرفان يفدون إلى حظيرة الأزهر من كل فج عميق ، وهو الآن ملتقى آلاف الطلاب من أنحاء العالم كما أنه مصدر آلاف العلماء إلى مختلف القارات ومركز الدعوة الإسلامية إلى شتى الأمم والشعوب .
وإذا زرت كليات جامعة الأزهر ومعاهده وأروقته تجد هناك مظهرا عاما لثقافات عديدة ولغات مختلفة وأجناس شتى ، وتري فيها مظهرا عاما أيضا للعالم الإسلامي كله فإنه لمصداق بين المبدأ الذي يتخذه الأزهر رمزا لرسالته هو :
العلم رحم بين أهله
وما كانت غاية الأزهر في تاريخه الطويل إلا أن يكون دائرة في مجال تبليغ رسالة الإسلام ، وهذه الرسالة هي أجل ما تتطلع الإنسانية في كل ماكن وبلوغه والانتفاع بثمراته .
وضع أساس الجامع الأزهر في 14 رمضان سنة 359 هـ (971م) تحت إشراف جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله الفاطمي ، وتم بناؤه في سنتين ، وفتح الجامع الأزهر للصلاة لأول مرة في رمضان سنة 361 هـ ، فلم يلبث أن تحول الأزهر إلى جامعة تدرس فيها العلوم الدينية والعصرية ، يجتمع فيها طلاب العلوم من كافة الأقطار ، وكان الخلفاء الفاطميون حريصين على الاهتمام بهذا المعهد الكبير وتزويده بكثير من الكتب وتخصيص موارد باهظة للإنفاق على طلابه والوافدين عليه ، وبقي للأزهر منذ إنشائه مسجد الدولة الفاطمية الرمسي وكان الخليفة بنفسه يؤم الناس في صلاة الجمعة وعيدي الفطر والأضحى التي تقام فيه .
ومنذ عام 1961 دخل الأزهر في دور فعال وجبار في المجال العلمي واالعملي ، حيث جري تطوير الأزهر وتطويرا يتهيأ به لأبناء المسلمين جميعا من العلم والمعرفة ويضيف إلى الخير التالد في رسالة الأزهر العلمية خيرا جديدا في رسالته العلمية ن لكي يعالج شؤون الدين والدنيا ، ويخدم الإنسان بمعنيين جميعا روحه وجسده لأن الإسلام له جانبان جانب روحي وجانب مادي ، فالأول يخدم الناحية الروحية في الإنسان الثاني يخدم الجانب المادي فيه من النواحي الاجتماعي والصحية والزراعية والهندسية والاقتصادية وغيرها .
ومن أكبر ما اهتم به هذا التطوير إنشاء “جامعة الأزهر الحديثة” وفتح الكليات العملية بها وكلية خاصة للبنات بشعبها المختلفة من علوم إسلامية وطب وأدب وفلسفة وعلوم وجامعة الأزهر لت تختلف غايتها الأزهر الشريف في تاريخه المديد إلا من تغيير الخطط وتعديل الوسائل بقدر ما تطلبه الحياة المتطورة ، ولن ينحرف طريقها عن طرق أبيها الجليل “الجامع الأزهر” فإن التاريخ الصحيح يقول : إن الأزهر كانت تدرس فيه ، في أبهائه وصحونه ، إلى جانب التفسير والحديث والفقه والأدب ، علوم الفلك والهيئة والميقات والطب والرياضة والحساب ، وكانت تعقد فيه حلقات العلم للنساء ، ويذكر التاريخ أن سيدة فضلى تقدمت فعلا لنيل شهادة “العالمية” الأزهرية .
وأما تطوير الأزهر فخطوة جديدة تتهيأ له بها دراسة الطب والهندسة والزراعة والتجارة وغيرها من العلوم الكونية والفنون العملية ، كما أنها يهيئ الفرصة للبنات من العلوم والمعرفة ما قد تهيأ للبنين ، وكلية البنات الأزهرية كانت نواة للجامعة الإسلامية للبنات ، لكي يقدر الأزهر بمختلف هيئاته ومعاهده وكلياته على إسداء الخير النافع العام إلى العالم الإسلامي كله وإلى الإنسانية جمعاء .
والأزهر جزء بارز في كيان المجتمع الإسلامي ، وهو تراث مجيد يعتز به كل مسلم وهو في مشارق الأرض ومغاربها ، وكان يجاهد في ميادين العلم والدين والإصلاح الاجتماعي والخلقي والسياسة في العالم العربي والإسلامي ، لولاه لجف الأمل وانطفأ النور في ميادين العلم والمعرفة في هذا العالم في عصر الظلمات والركود ، وأما جمهورية مصر العربية فمدينة للأزهر فأصبحت بفضله منبرا تفيض منه أسمى الأبحاث الإسلامية والفكرية وقاعدة للإشعاد الثقافي الإسلامي وقد أسرعت مصر الفتية التي اعترفت بمكانة الأزهر في العالم الإسلامي وجهوده في سبيل العلم والأدب فمدت يدها بالعون له بكل الوسائل الممكنة ليقوم برسالته على أحسن وجه حتى يتبوأ مكانته اللائقة به كمبعث حضارة روحية ومادية ، وقلعة حصينة للعروبة والإسلام ، ومصدر رجال الفكر وزعماء الإصلاح يحملون أمانة الرسالة الإسلامية ويكونون ورثة الأنبياء .
ولم يكن دور الأزهر مقصورا على العلوم الدينية واللغوية كما يظن بعض الناس فإن الإسلام لا يفرق بين المعارف والعلوم بل هو يجمع بين الدنيا والدين وبين الأرض والسماء وبين المطالب الدينية والسبحات الروحية ويقرر أن طلب العلم على إطلاقه فريضة على كل مسلم ومسلمة ، ولهذا كان علماء المسلمين في عصر ازدهار الإسلام يدرسون جميع أنواع العلوم والفنون ، فكان علماء المسلمين في عصر في عصر ازدهار الإسلام يدرسون جميع أنواع العلوم والفنون ، فكان منهم الفقيه والطبيب والفلكي والمهندس والعالم الطبيعي والكيميائي والجغرافي والمؤرخ والرحالة والرياضي ، وكان هذا يتجلى في علماء الأزهر على نطاق يختلف قلة أو كثرة بحسب اختلاف العصور ، وكانوا يسمون علم الفلك بعلم الهيئة ، ويسمون علوم الأحياء بعلم الموليد ، والكمياء بعلم التركيب ، وظل علماء الأزهر يحرصون على دراسة هذه العلوم حتى في أشد عهود التدهور والجمود .
ولا يخفى على من تتبع تاريخ الأزهر ، أن علماءه قد أسهموا في جميع المعارف والعلوم بالدرس والبحث والتأليف ، سواء في العلوم الدينية واللغوية أو في المنطق والحساب والهندسة والحبر والفلك ، ولما بدأت الهنضة العلمية في مستهل العصر الحديث لم تجد لها منبعا إلا في رحاب الأزهر فقد كان معظم المبعوثين من مصر –مثلا- إلى أوربا من رجال الأزهر وقد عادوا بعد أن تخصصوا في مختلف العلوم والفنون فوضعت أسس النهضة العلمية والفنية والثقافية في هذه البلاد ، وكان البارزون من أبناء الأزهر هم الذين وضعوا أساس النهضة الحديثة في مصر ، وأساتذة جامعة القاهرة وبقية الجامعات ومدرسة الألسن ومدرسة القضاء الشرعي وكلية دار العلوم وغيرها من مراكز الثقافات ودور العلم التي تفرعت من دوحة الأزهر الشريف .
وإن الاستعمار بأساليبه العديدة ووسائله المختلفة – قد نجح إلى حد كبير – في أن يعوق حركة الأزهر المطردة واستطاع أن يحدث فجوة بين العلوم الدينية واللغوية وبين العلوم الأخرى ، وكاد الانعزال يتم بين علماء الأزهر ، وعلماء الجامعات الأخرى ، فنادى علماء الإصلاح في العصر الحديث بعلاج هذه الحال فإن الغرب يعرف كما يعرف أبناءه ، أن العلوم الحديثة العصرية إسلامية في نشأتها وتقدمها ، وأن الغرب استعارها من المسلمين ، وتقدم كثير من المصلحين في هذا الميدان وتوالت الصيحات في كل مكان وقد تكررت محاولات لتجديد الأزهر وتطويره بحيث يتفق ومكانته وأثره في العالم العربي والإسلامي ، مع الاحتفاظ بطابعه وخصائصه وصفته التي استحق بها أن يبقى دوره بارزا في تاريخ العرب والمسلمين أكثر من ألف سنة ، ولكن هذه المحاولات المبذولة منذ أكثر من نصف قرن لم تنفذ إلى صميم المشكلة ولم تحاول علاجها جذريا ، وأما القانون الخاص بإصلاح الأزهر فوضع على أساس تقرير المبادئ اللازمة لكل إصلاح جذري شامل .. وبناء على هذا القانون ظهرت الهيئات الخمس الأزهرية للنور وهي :
1 – المجلس الأعلى للأزهر .
2 – مجمع البحوث الإسلامية .
3 – جامعة الأزهر .
4 – إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية .
5 – المعاهد الأزهرية .
وبالله التوفيق .