اليوم (ذي القعدة الحالي) ذكرى مرور 8 قرون على موقعة حطين
كيف استرد صلاح الدين فلسطين المحتلة من الصليبيين ؟
الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م
يصادف 15 ذي القعدة الحالي 1407 هـ الموافق 11 يوليو 1987 م ذكرى مرور ثمانية قرون على الموقعة التاريخية الرائعة المعروفة بموقعة حطين في تاريخ الحروب الصليبية التي جرت بين المسلمين وبين الصليبيين طوال قرون عديدة ومرات كثيرة وفي مواقع شتى ، وقد لعبت تلك الحروب دورا بارزا في تاريخ الأمم والشعوب وفي تحديد مواقع الضعف والقوة في القيادات الشعية والعسكرية وفي تعيين المواصفات والالتزامات المطلوبة في تحويل اتجاهات الأهداف الحربية ومقدمات المعارك المصيرية ومن هنا قد صارت تلك الموقعة بالذات موضع الدراسات والندوات العلمية والفكرية لمعرفة العناصر الأساسية لتحقيق الانتصارات القوية الحاسمة لقوات المسلمين تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي أمام جحافل القوات الصليبية مع كامل العدد والمعدات الحربية الهائلة والاستعدادات النفسية والعسكرية من جانب الدول المسيحية .
إن “حطين” مدينة تاريخية عريقة في فلسطين غربي بحيرة “طبرية” وجرت المواجهة المصيرية في هذه البقعة التي حشدت فيها القوى الصليبية استعداداتها الكاملة لصد مقاومة المسلمين من أجل استرداد فلسطين واستعادة بيت المقدس من أيدي الصليبيين وإنهاء احتلالهم الظالم في هذه الأراضي العربية الإسلامية وكانت تلك المواجهة عام 1187 م ، وفي مثل هذا اليوم قبل ثمانية قرون جرت المعركة الحاسمة في حطين بين هاتين القوتين الإسلامية والصليبية وانتصرت القوة الإسلامية تحت قيادة البطل المجاهد صلاح الدين الأيوبي على القوة الصليبية ووجه إليها المسلمون الضربة القاصمة للصليبيين حيث فروا هاربين واسترد المسلمون بيت المقدس من جديد بعد فترة من الضياع والعبث الصليبيين بسبب تمزق المسلمين وتثاقلهم في الأرض وعدم التزامهم بمنهج الانتصار والاعتزاز في الحياة .
وينبغي لكل عربي مسلم بل لكل باحث منصف أن يقف قليلا بعقل سليم وفهم محايد ووعي سديد ، حول أبرز الأسباب وأهم الوسائل التي ساعدت صلاح الدين الأيوبي وجيشه على توجيه الضربة القاصمة للقوات الصليبية في معركة حطين الحاسمة ، وأن لكل معركة ومواجهة أو حرب عسكرية تحصل بين قوتين أو فريقين مقدمات ومقومات لازمة ، وأن هذه المقدمات وتلك المقومات تتلخص في الإعداد الكامل والاستعداد التام ، وأن الإصسلام قد حث على الجهاد بمعناه الفطري العام الشامل لجميع مفاهيمه الصحيحة ، ولن يحقق الجهاد هدفه المنشود إلا بعده استيفائه لشروطه الكاملة وعناصره اللازمة ، وأما مجرد استخدام هذا اللفظ أو هذا المصطلح خاليا عن مفاهيمه الصحيحة أو من أجل الاستهلاك المحلي أو المأرب الشخصي ، فلا يؤدي إلى نتيجة مطلوبة بل لا يكون جهادا في مفهومه الصحيح .
وأما الجهاد الإسلامي فمدلوله العام الشامل كما هو مفهوم من الاستخدامات والاصطلاحات القرآنية والبيانات النبوية فبذل الجهاد في سبيل نصرة الحق بشتى الوسائل من النفس والمال والعلم والفكر وغيره وأن نصرة الحق يتحقق بنشره وتدعيمه والدفاع عنه ورد اعتداءات المعتدين وغارات المغيرين وظلم الظالمين في كل زمان ومكان حتى لا تكون فتنة ويحق الحق ويمحق الباطل ، وقد أشار كتاب الله الحكيم إلى صفتين أساسيتين ليكون الجهاد إسلاميا ولكي يؤدي إلى نتيجة إيجابية وأولاها : صدق النية وإخلاص الضمير فيقول رب الغزة : “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” (العنكبوت : 69) . فيجب أن يكون هدف الجهاد إعلاء كلمة الله وخدمة دينه وهذا هو الوصف المشار إليه بقوله فيناا ، وأما إطلاق اسم الجهاد على أعمال تهدف إلى أغراض ومآرب أخرى فلا يندرج تحت هذه الصفة المتميزة ، وثانيهما : الاستعداد التام المستمر معنويا وماديا فيقول القرآن :”يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا” (النساء : 71) .
وقد قام صلاح الدين الأيوبي بإتمام كل مقدمات الجهاد الإسلامي بالمعنى العام ومقوماته من الإعداد المعنوي بإحياء روح الإيمان وإذا كان روح الجهاد لتحرير المقدسات الإسلامية خالصا لوجه الله تعالى بعيدا عن المآرب الدنيوية ومن الإعداد المادي من توحيد جهود الأمة الإسلامية وطاقاتها والقضاء على الفرقة والانقسام بين زعماء البلاد الإسلامية وتبصير المسمين شعوبا وحكاما وقادة وعلماء وعامة بخطورة تحديات العصر وبضرورة مواجهاتها صفا واحدا لأن مصيرهم واحد ، وهكذا انتصر صلاح الدين وجيشه الإسلامي في حطين وحرر القدس الشريف وما حوله من بلاد مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذكرى تنفع المؤمنين .