الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 13 -أغسطس-1986 م
لقد اختار خالق السماوات والأرض ، ورب العالمين اللغة العربية لغة كتابه الخالد ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولأمن خلفه ، وبهذا الكتاب في هذه اللغة تحدى البشرية كلها إلى يوم القيامة لأن تأتي بسورة من مثله ، ثم قطع دابر المحاولين المفوضين كلهم مهما ناطحوا رؤوسهم بجبال الشم الصخرة بقوله : ولن تستطيعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
لغة الإعجاز والتحدي الأبدي
وأن إعجاز القرآن اللغوي منوط باللغة العربية وإذا نقلت معانيه إلى اللغات الأخرى ، أو ترجمت فلا يجوز إطلاق عليها لفظ القرآن وكما لا يجوز التعبد بها ، والإطلاق الصحيح والمطلوب على مثل هذه الترجمات إنما هو ترجمة معاني القرآن على أكثر تقدير فلا يمكن أن يطلق عليها أبدا لفظ القرآن .
ومادام هذا الإعجاز اللغوي منوط بكتاب الخالد الذي تكفله بحفظه وصونه بقوله : “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” فإن بقاء اللغة التربية بكل قوتها ، وفصاحتها وبلاغتها وخصائصها إلى يوم القيامة مضمونة بضمان خالق البشر بارتباط وثيق بكتابه المعجز ، ومتداولة من جانب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في الصلوات وفي كثير من العبادات ، ولا تخلو بقعة فيها فرد مسلم من سماع ألفاظ هذه اللغة ليلا ونهارا ، سرا وجهارا .
اللغة العربية ملتقى العرب والمسلمين
كما كانت لغة الماضي لحضارة العرب وثقافتهم ومعارفهم لا تزال لغتهم الحية الرسمية القومية وستبقى كذلك على مر الأجيال والعصور ، مادام هناك قرآن وإسلام ، ولقد قاومت اللغة العربية اللغات العالمية الأخرى العديدة التي غزت العالم العربي والإسلامي في عهود الاختلال الأجنبي الغاشم وتمكنت من البقاء والصمود والاستمرار ، في وجه التحديات العديدة اللغوية والثقافية والفكرية .
تراثها معروض في أرجاء العالم
وقد كسبت اللغة العربية هذه المكانة من بين لغات العالم لعوامل عديدة وأصيلة وهذه العوامل مرتبطة بإمكانياتها اللا محدودة وفي مقدمتها مقدرتها الفائقة لتكون لغة معبرة صادقة وقابلة للنمو والتطور والاستيعاب والانتشار كلغة العلوم والفنون والحضارات والترجمة منها وإليها ، وقد امتازت هذه اللغة بامتدادها المكاني حيث فرضت وجودها وكيانها في قارات الدنيا وتمارسها تعليما وبحثا وتراثا في جامعات العالم الكبرى في أقطار الدنيا ، وقد أصبحت لغة رسمية من لغات هيئة الأمم المتحدة ومنذ ذلك الحين بدأت العربية تغزو مكتبات العالم بالمؤلفات والعلوم والوثائق في مختلف فروع المعرفة تأليفا وترجمة مما ساعد العديد من الطلاب غير الناطقين بها، على الالتحاق بالمعاهد والجامعات العربية ونقل العربية وآدابها وعلومها إلى بلدانهم بعد التخرج منها .
استراتيجية منطقة الخليج العربي في ازدهار اللغة العربية
أن أهمية الموقع الاستراتيجي لمنطقة العربي على خريطة العالم الحديث ، ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية العالميتين ، قد أعطى عمقا خاصا ودورا بارزا للغة العربية على المستوى العالمي ، وباعثا جديدا على جعلها لغة عالمية لها وزنها الدولي في المحافل الدولية .
وعلى هذا كله فيجب أن ينتبه العرب والمسلمون إلى ضرورة اتخاذ هذه اللغة الدينية والحضارية والتاريخية والمستقبلية أداة أخرى فعالة لتوطيد ركن التعاون والتفاهم بينهم لأنها منطق ألسنتهم ومجلس أفكارهم وملتقى ثقافتهم وعاداتهم ، فتقول لهم ، بلسان حالها : يا أصحاب اتخذوني ملتقى لكم لا مفترقا واجعلوني مطية لنهضتهم – كما كنت سالفا – ولا تخيبوا آمالي فيكم ولا تفضحوني أمام التاريخ ! .