المدينة – 26 ذو القعدة 1404
إن اللغة نعمة الله العظمى ، وميزة الإنسان الكبرى ، ولها قيمتها ف يجميع مجالات الحياة البشرية ، وهي الخاصية التي تميز بها الإنسان عن سائر الحيوان ، ولو أن البعض قد عدها وسيلة فإنها في الحقيقة غاية تدرس لذاتها وربطت بين الفكر والعمل ، ومن عناصرها ، والتفكير والصوت والتعبير عن الفكر الداخلي والعمل الخارجي .
وبفضل هذه النعمة قد أصبح الإنسان كائن مثاليا على وجه الأرض . فاللغة بمفهومها الحقيقي من خصائص الإنسان ، ولكنا نقرأ ونسمع عن لغات كثيرة لمخلوقات أخرى مثل :-
لغات النمل والطيور والحيوان والأسماك وغيرها ، وجاء في القرآن الكريم إشارة لبعض هذه اللغات ، حيث حكى عن نملة سليمان عليه السلام :”قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهو لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها” وقوله تعالى عن الهدهد وسليمان عليه والسلام :”فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنيأ يقين” (النمل) .
وهذا يدل على أن مخلوقات الله الأخرى لغات تتخاطب بها ، ولكنها تختلف عن لغات البشر وأن لغة الإنسان مقرونة بالفكر في إصدار الأصوات وتلقيها ويحكمها العقل وينظم عملياتها ولا يجعلها أصواتا خالية من المعنى .
والنظام هو الذي يمنحها الثراء والفاعلية والتعبير عن الأهداف السياسية والذهنية المجردة ، ويتطور أمرها بتطور نضج الإنسان ونضج عقله وترقي تفكيره ، واللغة بهذا المعنى من خصائص الإنسان وحده دون سائر المخلوقات الأرضية الحية الأخرى .
وما أعظم منه من الله على الإنسان حيث يقول :”الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان” .
إن لغة البشر مقدرة على الإبداع والابتكار ، والمقاطع التي تنطقها هي تأثيرات صوتية تستقبلها الإذن لكنها مرتبطة بأعضاء النطق فلا تستطيع أن تعرف حركات الأعضاء النطقية إذا صرفنا النظر عن التأثير الصوتي .
والصوت – إذن – أداة للفكر : وأن للغة في كل لحظة نظاما ثابتا وحركة متطورة ، ولها في مجموعها أشكال كثيرة متضاربة لأنها في مجالاتها المتحدة : مادية وعضوية ونفسانية ، وكما أن اللغة – بصفتها المذكورة – من خصائص الإنسان فإنها غاية منشودة في حياته الفردية والاجتماعية .
مكانة اللغة العربية
إن اللغة العربية هي من أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق ولأسرار وحكم يعلمها خالق البشر والقوى ، اختار هذه اللغة وعاء لكتابه الخالد ، كما أشار إليه قوله :”وإنه تنزيل من رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين” (الشعراء : 192 – 195) . وكانت اللغة العربية قد بلغت قبل البعثة المحمدية أوج كمالها في التعبير البليغ السامي عن جميع مقومات الحياة وأوج مجدها في الفصاحة ، والإنتاج الأدبي شعرا ونثرا ، وظهرت روائع إنتاجها في الأشعار والأمثال والقصص .
“مع نزول القرآن في هذه اللغة ارتفع شأنها وأصبحت اللغة السائدة في بلاد العرب والمسلمون ، وأن اللغة العربية فضلا كبيرا على نشر حضارة الفكر العربي الإسلامي وتقدم العلوم والفنون والآداب المختلفة ولأجل القرآن ظهرت علوم القرآن كلها كما ظهرت علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة التي كانت أساسا لتفسير نصوص القرآن وفهمها ، ومن أجله أيضا ظهرت علوم منهجية مثل علوم التاريخ والأخبار والأسانيد وغيرها ، كما تقدمت –تطبيقا لتعاليم القرآن- علوم كثيرة مثل الرحلات والجغرافيا والسير ، واستحدثت علوم الطب والكيمياء والاجتماع وعلوم أخرى تابعة لدراسة القرآن ، مثل التجويد والتلاوة إل جانب علوم عديدة إسلامية .
ويتضح من هذا كله مدى طاقة اللغة العربية لما تمتاز به “من قوة بيانها وأصالة ألفاظها وأصواتها وموسيقي كلماتها ووفرة معانيها ، ولما كانت العلوم الإسلامية كلها تقوم على المبادئ القرآنية والسنة النبوية فيجيب من مناهلها الفياضة الأصلية ألا وهي نصوص القرآن والحديث النبوي فلا يتحقق هذا الهدف المنشود إلا عن طريق اللغة العربية التي هي وعاءها الأصلي ، ولذا رجعنا إلى نصوص القرآن وجدنا أن اللغة العربية هي مركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن إذ جاء فيه :”إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون” (يوسف) ثم قال :”كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون” (فصلت : 3) وكذلك قوله :”أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” (محمد : 24) .
وعاء القرآن والعلوم الإسلامية
وأن دراسة القرآن والحديث تحتاج إلى اللغة العربية لما فيها من معان سامية ومفاهيم أصلية وإذا قدمت معاني القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية مترجمة إلى اللغات الأجنبية فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن وكذلك غزارة المعاني التي تمتاز بها اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية في مقدمة الوسائل الفعالة التي تساعد على إيجاد التقارب الفكري بين الأمة الإسلامية لأنها تحمل في طياتها القيم الروحية التي يمنحها الإسلام لكل مسلم كما فيها روح الألفة والمودة والأخوة التي تربط بين قلوب المسلمين برباط وثيق ومنح الله سبحانه وتعالى للمسلمين هذه اللغة لتحقيق التفاهم والترابط بينهم في أنحاء الأرض بحيث يسعى كل مسلم لأن يقرأها ويفهمها بل ويتحدث بها وأنها أيضا الوسيلة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية .
ومن هنا يمكن أن نقول إن اللغة العربية تربط بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي وان إعجاز القرآن منوط باللغة العربية وان اللغة العربية بطاقاتها وتراثها ، لجديرة بأن تكون وسيلة للتفاهم بين الشعوب المسلمة في كل مكان ، وعونا على المحافظة على الوحدة الفكرية والمظهرية بين أفرادها وجماعتها ، وأن الوحدة الفكرية بين المسلمين تلعب دورا هاما في هذه المرحلة الحرجة الخطيرة التي يمر بها العالم العرب والإسلامي .
ويمكن تلخيص أهمية نشر اللغة العربية في البلدان الاسيوية والأفريقية والأوربية والأمريكية في النقاط التالية :
1 – ان هناك خطة خفية لنشر الفرقة بين المسلمين بالانتزاع من أيديهم جعل اللغة العربية الذي يعتصمون به جميعا ، فحينئذ يسهل تشويه تعاليم الإسلام بين من لا يعرفون اللغة العربية ، عن طريق كتب ومنشورات ومطبوعات عن الإسلام بغير اللغة العربية يراد بها القضاء على الإسلام معنويا وفكريا بتشويه تعاليمه وبث السموم الفكرية بين أتباعه .
2 – إن اللغة العربية تلعب دورا هاما وفعالا في مواجهة التحديات المعاصرة لأن انتشارها بين المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم يساعدهم على نفسهم دينهم وتمسكهم بطاقتهم الروحية .
3 – إنها تساعدهم على استعمالها في التفاهم المتبادل فيما بينهم حتى يتيسر إيجاد تجاوب مشترك يمكنهم من مقاومة التخريب الفكري التي تمارسه الجهات المناوءة لتشويه تعاليم الإسلام الحقة وتقطيع ذلك الرباط الذي يربط بين أبناء الأمة الإسلامية برباط فكري وروحي .
4 – إن اللغة العربية هي وعاء القرآن الكريم ومركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن والمنبع الأصلي للعلوم الإسلامية كلها كما أنها تساعد على توطيد ركن التعارف والتفاهم بين أبناء العالم العربي الناهض وبين أبناء البلدان غير الناطقة بها .