من أعلام الدعوة الإسلامية في الهند
الشيخ زين العابدين بن علي المعبري المليباري
مجلة الجامعة الاسلامية – المدينة المنورة
كان الشيخ زين الدين بن علي من جلة العلماء الهنود في القرن التاسع الهجري ( القرن الخامس عشر الميلادي) وصاحب مؤلفات عديدة باللغة العربية في العلوم الإسلامية والدعوة والإرشاد والفقه والتاريخ والنحو والصرف والعروض وغيرها ، ولعائلة الشيخ زين الدين يد طولى في نشر العلوم الإسلامية واللغة العربية وآدابها في الهند ، ولا تزال عائلته معروفة في بلدة “بوناني” في “مليبار” بولاية “كيرالا” الهندية ، عائلة علم وأدب ودعوة ويطلق عليها أهالي مليبار “عائلة المخدومين” و يدعي كل فرد منها بلقب “مخدوم” .
موطنه ومولده :
ولد زين الدين بن علي عام 873 هـ 1468 م في منطقة “معبر” الواقعة في الجنوب الشرقي لساحل مليبار بشبه القارة الهندية ، ومنطقة “كورا مندال” في أقصى جنوب الهند كان يسميها العرب المؤرخون “معبر” لأن الموانئ المنتشرة في هذه المنطقة الممتدة بين مدينة “كويلون” في جنوب كيرالا وبين مدينة “نلور” بمقاطعة مدراس ، وكانت مركزا لارتياد السفن التجارية للعرب في السواحل الهندية ، كما كانت بمثابة معبر رئيسي للسفن القادمة من سواحل جزيرة العرب والخليج العربي في طريقها إلى سيلان والصين وجاوا وغيرها من بلاد الشرق الأقصى ، وكذلك استوطنت في شواطئها جاليات عربية منذ عصور قديمة .
معبر “مفتاح الهند”
ونظرا لمركز “معبر” الجغرافي والاقتصادي ، عرف ملكها باسم “ديور” أي الغنى ، وكانت لها علاقات تجارية وثقافية مع جهات الهند والبلدان المجاورة ، حتى اشتهرت معبر وكانت لها علاقات تجارية وثقافية مع جهات الهند والبلدان المجاورة ، حتى اشتهرت معبر بين التجار العرب وغيرهم باسم “مفتاح الهند” ، وكان ملكها “سوندرا بانديا” يحب التجار العرب كثيرا لما لهم من دور كبير في تنمية اقتصاد البلاد ورخائها ، فقد اختار الملك ، مسلما عربيا وهو “تقي الدين بن عبد الرحمن بن محمد الطيب” المولود في المدينة المنورة ليكون مستشارا له في الشؤون التجارية والاقتصادية ، ثم عينه واليا على مقاطعة – كايل باتنام – إحدى الموانئ الرئيسية في “معبر” .
ارتخاله إلى مليبار :
وفي بداية القرن العاشر الهجري ارتحل الشيخ زين الدين بن علي وأسرته من مسقط رأسه بمعبر إلى مليبار (كيرالا) التي نزلت في مدينة “كوتشين” ثم انتقلت إلى مدينة “بوناني” إحدى المراكز الأولى للمستوطنين العرب في شواطئ جنوب غربي الهند على بحر العرب ، ثم بنى الشيخ مسجدا جامعا كبيرا في بوناني ليكون مركزا لنشر الدعوة الإسلامية واللغة العربية بين أهالي مليبار .
مركز “بوناني” العلمي :
وبعد وصول الشيخ زين الدين بن علي إلى بوناني وبناء مسجد المدرسي فيها ، أصبحت هذه المدينة منار النور والعرفان ومحط رجال العلم والأدب القادمين من أرجاء الهند ومن مصر وسوريا ، فكان من بين المدرسين في هذا الجامع الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي (المتوفى سنة 909 هـ) ، ووضع الشيخ تصميم هذا المسجد الجامع ، بحيث يصلح لأن تعقد فيه حلقات الدروس ، ويقيم في زواياه وأروقته طلبة العلم الذين بفدون إليه من خارج المدينة ، وقام بالتدريس فيه كبار أساتذة العلوم الإسلامية والعربية مثل الشيخ “ابن حجر الهيتمي المذكور ، وتخرج من هذا المركز العلمي عدد كثير من العلماء الأعلام في علوم الإسلام واللغة العربية ، ومنهم نجل الشيخ زين الدين وحفيده ، الشيخان عبد العزيز بن زين الدين ، وزين الدين بن عبد العزيز المعروف بزين الدين الثاني ، فكانوا من جلة العلماء الهنود في الفقه والتوحيد والتاريخ الإسلامي في الهند ، وأصحاب مؤلفات عديدة باللغة العربية في هذه المواضيع .
وكان من العلماء الدعاة الذين درسوا العلوم الإسلامية في هذا الجامع المدرسي الشهير والدي المرحوم الشيخ مقار المولوي – المتوفى سنة 1969م – الذي قضى سنوات عمره كله في الدعوة إلى الله بالوعظ والإرشاد ، وبتوجيه من والدي ، قضيت فترة من الزمن ، في الثلاثينات من هذا القرن ، في مدينة “بوناني” أتلقى العلوم الإسلامية والعربية في جامع الشيخ زين الدين ، حسب النظام القديم المتبع فيه جيلا بعد جيل .
مؤلفات العربية
من مؤلفات الشيخ زين الدين بن علي في اللغة العربية “مرشد الطلاب” في الوعظ والإرشاد ، و”تحفة الأحباء” في السيرة النبوية و “إرشاد القاصدين” وهو مختصر لكتاب “منهاج العابدين” للإمام الغزالي ، و”شعب الإيمان” وهو ترجمة عربية لكتاب فارسي بهذا الاسم للسيد “نور الدين أيجي” و “كفاية الفرائض” في علم الميراث ، وكتب أيضا هي شروح قيمة باللغة العربية لبعض كتب العروض والنحو ، ومنها كتاب “القافية” لابن حاجب و “الألفية” لابن مالك / ز”تحفة” لابن الوردي” و”الإرشاد” لابن المقري .
مؤلفات المنظومة
وصنف الشيخ زين الدين بن علي بعض الكتب منظومة باللغة العربية منها “أرحوزة” بالعربية باسم “تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان ” وهو في بيان قصة احتلال البرتغاليين لسواحل مليبار ومظاهرهم للمسلمين ، وفيها يحث الهنود على الجهاد لطرد المستعمرين .
وفيما مقتطفات من شعره :
الحمد لله الموفق للعلا حمدا يوافي بره المتكاملا
تقوى الإله مدار كل سعادة وتباع أهوا رأس شر حائلا
وقال مشجعا الناس على التمسك بالورع والعزيمة للوصول إلى السعادة الأبدية ،
من رام درا للسفينة يركب ويغوص بحرا ثم درا حصلا
ثم يقول في التوبة :
أطلب متابا بالندامة مقلعا وبعزم ترك الذنب فيما استقبلا
وبراءة من كل حق الآدمي ولهذه الأركان فارع وكملا
وأقم دواما بالمحاسبة التي نتهاك تقصيرا جرى وتساهلا
وبحفظ عين واللسان وسائر الأ عضا جميعا فاجتهدن ولا تكسلا
ويقول في التوكل :
أما المعيل فلا يجوز قعوده عن مكسب لعياله متوكلا
لا تبذلن للناس عرضك طامعا في ما لهم أو جاههم متذللا
وفي الإخلاص :
أخلص وذا أن لا تريد بطاعة إلا التقرب من إلهك ذي العلا
لا تقصدن معه إلى غرض الدنا كثنائهم أو نحو ذاك توصلا
عمل لأجل الناس شرك تركه للناس ذاك هو الرياء سبهللا
وفاته :
انتقل الشيخ زين الدين بن علي إلى رحمة الله بمدينة “بوناني” في السابع عشر من شعبان المعظم سنة 928 هـ – 1521 م .
عبد العزيز بن زين الدين :
وكان ابن عبد العزيز عالما جليلا ومؤلفا قديرا باللغة العربية ، وكتب الشيخ عبد العزيز شرحا مختصرا باللغة العربية لقصيدة والده “هداية الأذكياء” وسماه “إرشاد الألباء” ثم أتبعه بشرح مطول لنفس القصيدة باسم :مسلك الأذكياء” ويقال إن الشرح الذي كتبه الشيخ زين الدين بن علي لألفية ابن مالك لم يكتمل في حياته ، فأكمله ابنه عبد العزيز .
وتوفي الشيخ عبد العزيز في سنة 993هـ ودفن بجوار والده رحمهما الله ، ولو لم يترك عبد العزيز تراثا كثيرا من المصنفات والأعمال العلمية الأخرى ، فإنه خلف لعالم العلم والأدب ابنا يعد من فطاحل العلماء الذين ساهموا مساهمة كبيرة في خدمة العلم والدين في الهند ، ونشر اللغة العربية في أنحائها .
الشيخ زين الدين الثاني :
ويعتبر زين الدين بن عبد العزيز ، حفيد الشيخ زين الدين بن علي من جلة علماء عائلة زين الدين ، وهو تلميذ العلامة ابن حجر الهيتمي الذي قدم إلى “بوناني” ليدرس العلوم الإسلامية والعربية في الجامع المدرسي الذي شيده فيها جده ، زين الدين الأول ، وقد تتلمذ على ابن حجر وغيره من العلماء العرب وتخرج أكثر تمكنا في اللغة العربية وأبدع أسلوبا فيها من بين المؤلفين الهنود في اللغة العربية .
مؤلفات العربية :
من أشهر تصانيف الشيخ زين الدين الثاني باللغة العربية “قرة العين” في الفقه الشافعي ثم وضع لنفس الكتاب شرحا وافدا باسم “فتح المعين” وهو من الكتب المتداولة بين علماء البلاد العربية وبلاد الشرق الأقصى والمقررة في معاهدها العلمية في مادة الفقه الشافعي ، وكتب له بعض المتقدمين والمتأخرين من فقهاء العرب شروحا ، كما صدرت له عدة طبعات في الهند وجاوا والملايو والمدينة المنورة ومصر ، وطبع بمطبعة محمد على صبيح بمصر في سنة 1346 هـ مع تقريرات لبعض أفاضل العلماء في هامشه ، ومن كتبه الطريفة “الأجوبة العجيبة” شرح فيه المسائل الفقهية في صورة الأسئلة والأجوبة ، ويعتبر أول مؤلف من هذا القبيل باللغة العربية .
تحفة المجاهدين :
يعد كتابة “تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين” للشيخ زين الدين بن عبد العزيز المليباري ، ومن أوثق المصادر الأصلية باللغة العربية لتاريخ مليبار (كيرالا) القديمة وبالأخص لتاريخ بداية عهد الإسلام فيها وبالتالي في شبه القارة الهندية كلها ، وشرح المؤلف في مقدمته معتقدات وعادات وتقاليد الهندوس في مليبار في تلك العصور ثم ذكر تاريخ البرتغاليين إلى مليبار ومحاولتهم للاستيلاء على المراكز التجارية فيها ، ويعتبر علماء التاريخ هذا الكتاب – تحفة المجاهدين للشيخ زين الدين – مصدرا أصليا في تاريخ القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ويعدون مؤلفه حجة في علم التاريخ موضوعا ومنهجا .
وفي القسم الخاص في بدء ظهور الإسلام في مليبار ، أورد المؤلف قصة الملك الذي اعتنق الإسلام وسافر إلى جزيرة العرب لمقابلة النبي العربي ، كما بين فيه تاريخ بداية اليهودية والمسيحية في الهند وأثبت فيه أن منطقة مليبار أول موطن في الهند وصلت إليه الأديان السماوية وملتقاها .
في اللغات الأجنبية :
وتظهر مكانة “تحفة المجاهدين” بين الوثائق التاريخية من التراجم العديدة التي صدرت له في مختلف اللغات العالمية فقد نقل من العربية إلى الانجليزية والأوردية في عام 1833م ثم نقل إلى البرتغالية عام 1898م وطبعت ترجمته البرتغالية مع النص العربي بمطبعة “لسبو” سنة 1898م وتوجد نسخة من هذا الطبع في دار الكتب المصرية تحت رقم ج/7728 – نسخة محفوظة في معظم المكتبات العالمية التاريخية مثل مكتبة لندن ومكتبة المجمع الآسيوي بكلكتا وغيرهما ، وكتب المؤلف في مقدمته أهداءه إلى سلطان “بيجابور” (1557-1580م) وعلق بعض علماء العصر الحديث على منهج “تحفة المجاهدين” فقالوا : إنه يفوق ، في دقة البيان وعدم التحيز في سرد الوقائع ، المنهج العلمي الحديث في علم التاريخ .
مولده ومدفنه :
ومن المؤسف جدا أنني لم أعثر بعد ، على وثائق تدل على تاريخ ميلاده ووفاته ، كما لم يسجل في أي من مؤلفاته المطبوعة أو المخطوطة ، ولكن حسب القول الشائع بين العلماء في مليبار ينشر العلوم ويرشد الناس حتى توفي في مدينة “ماهي” بشمالي مليبار ودفن فيها ، وكتب الشيخ زين الدين بن عبد العزيز في ختام كتابه “فتح المعين” تاريخ الفراغ عن تأليفه وهو الرابع والعشرون من شهر رمضان المعظم سنة 982 هـ …..