الخليج اليوم – قضايا انسانية –6/11/1985
المواد بالتربية مع العلم ، عدم الاكتافاء بتعليم وتلقين مبادئ الإسلام ومعاينة وأحكامه والتعريف بحدوده وأنظمته ، بل أن يتعهد المعلم المتعلمين بما يحملهم على العمل بما تعلموا وصياغة سلوكهم بموجبه وتطبيقه في الحياة اليومية بحماس وإخلاص .
وهكذا كان نهج رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان الرجل منهم إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ، وهكذا كانوا يثبتون على ما علموا ، ويطبقونه في حياتهم العملية .
وأن مثل حفظه النصوص وفهم معانيها دون أن تمس هذه المعاني القلب ودون أن ينصبع بها السلوك ، لا يفيد في صلاح المسلم ، ولا في ميزان التقييم . ومثل في ذلك كمثل مدرب الرياضة البدنية فإن من يحفظ مناهج الرياضة في تقوية الجسد ، ويذكرها إذا سئل عنها أو يرددها بنفسه دون أن يطبقها فعلا على نفسه ، لا تكسب صحة جيدة ولا جسما قويا ولا يتحقق له الهدف المطلوب من تعلم هذه المناهج ، وكذلك من يتعلم بعض أحكام الإسلام ويفهم معانيها دون أن يربي نفسه عليها ويعمل بها بنية صادقة لا يجني الثمار المنشودة منها بل ربما يكون عرضة للانزلاق عند أول فتنة أو بلاء .
الوسائل المؤثرة للتربية
ومن الوسائل المؤثرة الاتصال الدائم بالسيرة النبوية الكريمة وسيرة أصحابه صلى الله عليه وسلم ، في الاستنارة بنور القرآن تلاوة وتأملا وفهما ، لينساب هذا النور إلى كيان المسلم ، ويبعث فيه الحياة الحقيقية ، فإن القرآن كما وصفه الله تعالى نور وهدى وشفاء وروح ، فقال : “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ” .
وكانت الطريقة المحمدية هي التربية المباشرة وبفضل تلك التربية العميقة الدقيقة تمكنت العقيدة الإسلامية في قلوب الصحابة الكرام وامتلأت بحقائق الإسلام ، ومكنتهم تلك التربية من تحمل مالا يطيقه غيرهم من المحي في سبيل نصره دين الله ونشرة في العالم وكانوا طليعة الإسلام الأولى وإذا استقرت معاني العقيدة الإسلامية في القلوب ، سهل على أصحاب تلك القلوب المستقيمة الالتزام ببقية أصول الإسلام وفروعه . وأن الإنسان الذي يؤمن إيمانا راسخا بإخلاص وصدق نية بالله ربا وإلها ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالبعث بعد الموت وبالحياة الأخرى ليقدم على العمل الصالح لنيل رضوان الله تعالى والنجاة في الآخرة .
ضرورة التأكيد على العقيدة الصحيحة
إن التأكيد على العقيدة الصحيحة والتذكير بمعانيها لازم للمعلم المربي الذي يقوم بتربية وتنشئة جيل جديد صالح ،لأنه يقيهم عن تسرب الوهى والضعف إلى قلوبهم ويحميهم عن التزعزع عند الشدائد والبليات والمحن .
وهذا هو النهج القرآني السليم فكانت الآيات تنزل ببيان العقيدة الإسلاميّة حتى بعد الهجرة إلى المدينة المنورة وتختم آيات العبادات و المعاملات بـأصول العقيدة كالإيمان بالله و اليوم الآخر . و أما الابتعاد عن هذا النهج كالخوض فما تعارف عليه الناس من الشروع والبيانات السطحية والقيام بتحليل الأمور تحليلا بعيدا عن مفاهيم العقيدة والفطرة السليمة فسوف يؤدي إلى البناء من السطح، أو بلا أساس . وأن التأكيد على الالتزام بمعاني العقيدة الصحيحة والمفاهيم السليمة للقيم و الأخلاق والمثل العليا و تجليتها من الخرافات و الخزعبلات فهو الدواء الأساسي لأصل الداء الذي يؤدي إلى الانحراف عن جادة الطريق وانتشار الفوضى والميوعة في المجتمع و خاصة في طبقة الشباب.
المعلم … طبيب القلوب
إن المعلم في الواقع وفي الحقيقة هو طبيب القلوب والأرواح ، فعليه أن يسلك في معالجة الأرواح والقلوب ، نفس الأسلوب الذي يسلكه طبيب الأبدان فيشخص الداء أولا ثم يعين العلاج ، ولا يقف عند أعراض الداء محاولا علاجها تاركا أصلها وعلتها . وعليه أن يعود المتعلمين والتلاميذ وكل من يتربى على يديه ، على اتباع النظام في كل مرفق من مرافق الحياة ، فالصلاة تؤدي بنظام ، من جهة الوقت وأدلء أركانها وكذلك في العبادات الأخرى، وأن الوق هو الحياة وهو رأس مال الإنسان ، فيجب تنظيمه بدقة وعناية ، وكذلك يجب تنظيم الجهود وتوجيهها بطريقة منظمة ومنسقة ، وعدم التنظيم يبعثر الجهود ويضيع الأوقات النفسية فيما لا فائدة فيه ، مع أن واجبات المسلم الواعي أكثر من الأوقات ، وعليه أن يبادر إلى استغلال كل دقيقة من وقته قبل فوات الآوان . وهكذا تساعد التربية الصحيحة – ولا التعليم الإملائي أو التلقيني فقط – على تنشئة جيل صالح نشيط يطبق ما عرفه وتلقاه من المعلم ومن المعهد أو الجامعة ، في الحياة اليومية بحماس وإخلاص فتكون حياته بناءة ومجدية ونافعة .