الخليج اليوم – قضايا انسانية –29/10/1985
يمتاز الإسلام تميزا واضحا عن جميع الشرائع والأديان ، من حيث مصدره لأن مصدره رب البشر ، وجميع الأحكام والمناهج التي وردت في الدين الإسلامي من الله سبحانه وتعالى عن طريق الوحي إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى وهو القرآن الكريم أو بالمعنى دون اللفظ وهو السنة النبوية .
وأنه جاء لعموم البشر ، كما أنه عموم في كل زمان ومكان ولهذا فهو باق لا يزول ولا يتغير ولا ينسخ . وحيث أن الإسلام ختم الشرائع السابقة كلها ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل ، ومع هذا الكمال والتمام ، لا داعي لمجيئ شريعة أخرى ، وحيث لا شريعة أخرى فلا رسول آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم . والواقع أن الإسلام يحقق مصالح العباد في العاجل والآجل أي في الدنيا والآخرة ، ودرأ المفاسد والأضرار عنهم في الدارين أيضا ، وإلى هذه الرعاية الحاملة لمصالح البشر عاجلا وآجلا يشير القرآن في تعليل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ قال : “وماا أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) .
وأن مصادر الأحكام الشرعية كلها مصادر ثابتة وحقة وهي كتاب الله والسنة النبوية وتتبعهما مصادر تبعية كالإجماع والاجتهاد بأنواعه المختلفة ، كالقياس والاستحسان والمصلحة المرسلة ، وهذه المصادر كلها قامت على معان وأوصاف وأسباب ثابتة صالحة لكل مجتمع فاضل مثالي بحيث لا يحدث شيئ جديد إلا وللشريعة الإسلامية حكم فيه ، إما بالنص الصريح أو بالقياس الصحيح .
وبفضل هذه المقومات التي جعلت الإسلام نظاما شاملا عاما صالحا للجميع وفي جميع الأزمان والظروف ، لم يعد نظاما جاء لطائفة معينة أو لجنس خاص أو لفترة معينة من الزمن أو جيل خاص من البشر بل هو الدين الكامل والنعمة التامة من رب العالمين .
وإلى هذه الصفة اللازمة اللاصقة لنظام الإسلام يشير القرآن الكريم : “قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا” .
ويقول أيضا : “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ” . وعموم النظام الإسلامي وبقاؤه في كل زمان ومكان وبيئة ، ومطابقته لكل منه يستلزم عقلا وعدلا أن تكون قواعده ومبادؤه زجميع ما جاء به على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان ، ومستوى ييبلغه المجتمع البشري .
ولا غرابة في ذلك لأن الحالق المدبر العليم الخبير هو الذي جعله عاما للناس في اللمكان والزمان ، وخاتما لجميع الشرائع ، وكاملا لكل مصالح البشر ، وهو الذي قد أعلن بكل صراحة ووضوح : ” اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” .
وشمول نظام الإسلام لجميع مجالات الحياة للإنسان وسلوكه ، وصف حقيقي ثابت للإسلام ، وللإسلام في كل ما يصدر عن الإنسان حكم خاص ، وهذا بخلاف المبادئ والنظم البشرية فإن الواحد منها له دائرته الخاصة التي ينظم شؤونها ولا شأن له فيما عدا ذلك .
وعلى هذا فلا يمكن للمسلم أن يقول إن هذا المجال أنظم أموري فيه كما أشاء بمعزل عن تنظيم الإسلام . فلا يجوز للمسلم أبدا أن يسمح لغير نظام الإسلام أن ينظم أي جانب من جوانب حياته فإن فعل ذلك دخل في نطاق معنى قوله تعالى في القرآن الكريم : “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ” .
وتدخل في نطاق شمول نظام الإسلام لجميع مجالات الحياة البشرية ، أمور العقيدة والأخلاق والعبادات وعلاقات الأفراد فيما بينهم من أحكام الأسرة والمعاملات والقضاء والدعوى والمعاملات مع الأجانب غير المسلمين المقيمين في دولة إسلامية ، وعلاقات الدولة الإسلامية بالدول الأخرى ونظام الحكم وقواعد وموارد الدولة ومصارفها . وهكذا يشمل نظاام الإسلام جميع حركات الإنسان وسكناته في جميع ظروفه وبيئاته وكيفياته وتصرفاته وعلاقاته ، بل ويشمل أحكام ومسائل وأخبار حياته الأخرى التي هي خير وأبقى .
أفبعد هذا كله يحتاج العقل السليم إلى دليل لخلوده دينا عاما وشاملا ؟ ! ..