الخليج اليوم – قضايا انسانية – 13-10-1985 م
إن الإسلام هو دين الفطرة ، وأن ميزة دعوته أنهاا تخاطب العقل ، وكل ما يدعو إليه من العقائد والعبادات والأعمال والأحكام ليس منها ما يخالف العقل السليم وتأباه النفوس الصحيحة ، ومن ناحية أخرى ، أن القرآن حدد وسائل الدعوة إليه بالبرهان العقلي والإقناع السليم ، ومنع أي نوع من الإكراه ، إذ صرح : “لا إكراه في الدين ” .
فطرية الإسلام
جاء الإسلام مصداقا لما اقتضته الفطرة السليمة كما صرح القرآن الكريم عن طبيعة هذا الدين ، بكل وضوح وتبيان : “فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” . ولم يزد القرآن في الاستدلال شيئا سواى أنه أيقظ العقول ونبهها إلى النظر في آثار الله تعالى ، فجاء في وصف الخالق تعالى وإثباته بما يطابق مقتضى الفطرة والعقل . ومن الآيات الواردة في ذلك : “أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ” . وقوله أيضا : ” أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ” .وقوله كذلك : “قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينه منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا الا غرورا” .
وجدير بالذكر والاعتبار أن دعوة القرآن قد وجهت أولا وقبل كل شيئ إلى الفطرة السليمة للإنسان ، فهو لم يدع إلى شيئ ليس في استطاعة العقل البشري أن يدركه . وبعبارة أدق وأصح ، أن الإسلام هو الدين الذي حطم فكرة الإيمان بغير المعقولات وأقام على أنقاضها الإيمان اليقيني المتحصل عن طريق العقل والنظر ، والقائم عند حدود المسلمات العقلية وحكم الفطرة البشرية .
العلم والإيمان
لقد كان جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في كل زمان ومكان ، يدعون الناس إلى النظر في الظواهر الكونية والقوانين الطبيعية المألوفة للاستدلال بها على صدق دعوتهم التي بعثهم الله بها ، وكانوا يخاطبون العقل والضمير ويدعونهم للنظر في السنن الكونية التي تسري في هذا الوجود .
وأن الآيات القرآنية التالية لتساعد على إدراك هذه الميزة الكبرى لدعوة الإسلام : “قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أن لزمكموها وأنتم لها كارهون ” .
ومنها قوله تعالى : “وقد بينا الآيات لقوم يعقلون ، إنا أرسلناك بالحق حجة بعد الرسل ” .
وأيضا : “لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ” .
وإذا أردنا فهم ميزة الدعوة الإسلامية وجب أن نفهم أولا اللمعنى الحقيقي لكلمة “الإسلام” فهما صحيحا ، وهي لا تحمل اسم نبي أو داعية ولا يطلق عليها اسم خاص مثل “الديانة المحمدية ” أو “الدين المحمدي” . وتفيد كلمة “الإسلام” معنى “الانقياد التام لله تعالى وحده والإذعان له دون أحد سواه ” .
ويصرح القرآن الكريم بمعنى الإسلام الحق مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم : “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ” . وأن المصطلحات الحديثة التي روجها المستشرقون وبعض المثقفين المستغربين عن طبيعة الإسلام وأتباعه ، مثل الإطلاق عليه اسم : “الدين المحمدي ” وعلى المسلمين اسم : “المحمديين” وإنما هي بقصد الانتقص من ميزة هذا الدين الخالص الفطري ووضعه في صف الديانات الأخرى الوضعية أو البشرية التي تنسب إلى دعاتها مثل “المسيحية” و “المسيحيين” و”البوذية ” و”البوذيين” و”اليهودية ” و”اليهوديين” وأما الإسلام فليس ديمن محمد صلى الله عليه وسلم بل أنه مبلغ هذا الدين أوحي إليه من عند الله تعالى فالدين الإسلامي محله من الله وأن الرسول هو مكلف بأتباعه كسائر العباد .
وتحقيقا وترسيخا لهذا المغزى الذي يمتاز به الإسلام قد فرض على المسلمين جميعا أن يعلن دائما : أن محمدا عبده ورسوله .
وأن الإسلام يحتل اسمي درحة من التطور الديني في الجنس البشري كما أنه أكثر استجابة لدواعي التقدم العلمي والفكري لأنه نظام خالق البشر والكائنات لكل العصور والأمكنة ، لكافة الأمم والشعوب على اختلاف ألوانها ولغاتها وعاداتها وبيئاتها .