الخليج اليوم – قضايا انسانية – 30-9-1985
إن صرح الإسلام لمبني على أساس التوحيد – لا على التوحيد بالله فحسب في ربوبيته وألوهيته وصفاته – بل التوحيد في العقائد والعبادات ، وأصول جميع الأديان السماوية والأنبياء والشعوب حتى يؤدي إلى وحدة إنسانية تحت راية العدالة والمصالح العامة ، والتعاون والتضامن الفطريين الإنسانيين ، لأن الإسلام دين فطرة شامل لأصول جميع الأديان السابقة عليه ، ومعترف بكل رسول أو نبي من آدم إلى محمد خاتم رسل الله وعليه وعلى سائر الأنبياء والرسل السلام .
مثل الأنبياء والرسالات..
وإن مثل الأنبياء الذن جاؤوا في مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات كمثل الولاة في الدولة الواحدة وكذلك مثل الأديان المختلفة في بعض الأمور الفرعية كنسخ دين متأخر دينا متقدما عنه في الزمان كالتعديلات في القوانين الدولية وهذا مثال عادي لتقريب المفاهيم إلى الأذهان لا لتحديدها شكلا وموضوعا .
وأما أمة الإسلام فهي الجنس البشري كله ولا يوجه دعوته إلى جنس خاص أو لطائفة معينة ولا لبلد دون آخر . ويقول القرآن الكرين موضحا طبيعة الرسالة المحمدية الخاتمة لجميع الرسالات السماوية وأكملها :..
“قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ” .. كما أعلى الوحدة الإنسانية المتكاملة بقوله : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم …” .
ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مؤكدا وموضحا هذه العقيدة الإسلامية فقال : الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى” .. فلا فرق تحت راية الإسلام – في إقامة العدل التام وإقرار الأمن والطمأنينة وفي نشر العلم والثقافات ومنع الظلم والاعتداءات على النفس والمال والعرض – بين شخص يعتنق تعاليم الإسلام الخاصة وبين من يعتنق دينا آخر وأن تحقيق الوحدة الإنسانية مع الأمن والطمأنينة والرفاهية في ربوع العالم كله لمن أهم الأهداف المنشودة من تعاليم الإسلام لأنه ينظر إلى كل إنسان قبل كل الاعتبارات من حيث أنه إنسان فقط لأن الإنسانية فوق كب اعتبار في نظر الإسلام ، بل الإنسانية الحقيقية التي فطر الناس عليها هي الإسلام الحق الصحيح وعلى هذا المبدأ يجب أن نفهم قول خالق البشر والقوى ” فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” .
فكرة الإنسانية الكاملة…
بهدف الإسلام بهذه التعاليم إلى إيجاد فكرة إنسانية عالمية كاملة تضم الأصناف البشرية كلها في مشارق الأرض ومغاربها لا تعرف الحدود والجغرافية ولا الاختلافات اللونية أو الجنسية أو اللغوية ولا تتسرب إليها العقلية والمتعصبة الجامدة والفكرة الضيقة ، وعلى هذه الفكرة السامية قامت الدولة الإسلامية الأولى في عصور انبثاق فجر الإسلام وكانت الفوارق الجنسية والوطنية تتلاشى أمام هذه الغاية العليا وساد الأمن والرفاهية في العالم .
وانتشرت الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة في البلاد التي صارت تحت ظل لواء الإسلام ، في جو من الوئام والانسجام .
ثم جاء من بعدهم خلق انحرفوا عن تعاليم الإسلام الحقة ، واتبعوا الشهوات والأهواء فتسربت العصبيات والفرقة إلى قلوبهم فضلوا وأضلوا كثيرا ، ثم ضاعوا وأضاعوا فصاروا وصمة عار على جبين الإسلام الوضاح ، لأن الناس – بجهلهم قواعد البحث والتحقيق وضوابط الحكم على الدين بدأوا يأخذون تعاليم الإسلام من أعمال المنتمين إليه وأقوالهم ومعاملاتهم والإسلام منهم بريئ ، مع أن الدستور الوحيد للإسلام هو كتاب الله وسنة رسوله ، لا أقوال الرجال ولا أعمالهم ولا مؤلفات وضع بأيدي زيد وبكر ولا آراء طائفة وحزب هنا وهناك .
وظيفة القرآن في البشر ..
إن وظيفة القرآن في البشر هي رسم أقرب الطرق إلى الهداية وحفظ البشرية من مواطن الهلاك وهو يكفل الاستقلال لكل شخص في عقله وفكره وعمله كما يضمن له حرية العقيدة والعمل بها فأعلن بكل صراحة ووضوح ” لا إكراه في الدين ” لأن محل العقيدة هو القلب .
فإذا دخل شخص في دين الإسلام تحت الإكراه أو الإغواء بدون قناعة وفهم فيكون وبالا على المجتمع الإسلامي بل وخطرا عليه من الداخل لأن دستور الإسلام قد أعلن بكل صراحة ووضوح وبأسلوب قاطع عدم فائدة الإكراه في مسألة الانضمام إلى صفوف المؤمنين لأن الصف لا يقوم ولا يتوطد بركن فاسد وعضو غير مقتنع بمبادئة وتعاليمه .
المعاملة مع أهل الديانات الأخرى إن مهمة الإسلام من إنارة طريق الحق أمام البشر ، وإما إيصالهم إليه فمن اختصاص رب القلوب حيث قال مخاطب نبيه الكريم : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ” .. ويقول أيضا : ” فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ” .
يمنع القرآن أيضا منعا باتا امتهان الديانات الأخرى وأصحابها ن وسب معتقداتهم مهما كانت فاسدة وبالية فيقول القرآن مرشدا ودليلا : “ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله عدوا بغير علم ” .. ولكن ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أاحسن ” . أي بالمنطق السلم والود واللين واللباقة والحكمة .