الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 31-يوليو-1986 م
تناولنا في الحلقتين السابقتين أدلة مشروعية الحج ، والعمرة وشروط وجوبها على الرجال والنساء وبالإشارة إلى بعض المقدمات اللازم توفرها واتباعها لكل مسلم يقصد الدخول في مناسك الحج أو العمرة لأن الشروط والمقدمات يجب أن تسبق الأركان والواجبات ، والسنن والآداب التي هي أجزاء هذه العبادة فرضا واستحبابا وأدبا بعد الدخول فيها والشروع في أدائها بخلاف المقدمات والشروط التي يجب أن تكتمل أجزاؤها قبل الدخول في أعمالها أول عمل واجب يدخل به الحاج أو المعتمر في مناسكه هو الإحرام ، ويستمر في مناسكه منذ الدخول فيها بالإحرام إلى التحلل التام بعد طواف الإفاضة ورمي الجمرات في آخر أيام التشريق من ذي شهر ذي الحجة ، فلنتناول الآن مناسك الحج أو العمرة بدء بأحكام الإحرام .
إن لفظ “الإحرام” المصطلح عليه شرعا في العبادات والشعائر الإسلامية بصفة عامة مشتق من اسم “الحرمة” بضم الحاء ، ومعناها : ما لا يحل انتهاكه ، وكذلك : المهابة وكلمة الحرمة اسم من الاحترام مثل : الفرقة بضم الفاء ، من الافتراق والجمع حرمات مثل : غرفة وغرفات وقد شاع استعمال فعل “أحرم” في العرف الإسلامي في ثلاثة معاني شرعية ويقال : “أحرم الشخص” أي نوى الدخول في حج أو عمرة فمعناه أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالا له قبل ذلك ولا يجوز انتهاك حرمة هذا التعهد والالتزام النفسي ، ورجل محرم بضم الحاء وكسر الراء وجمعه محرمون ، وامرأة محرمة وجمعها محرمات ، وكذلك يقال “أحرم” بمعنى : دخل الحرم أي حرم مكة والمدينة ، وأيضا بمعنى دخل في الشهر الحرام الذي لا يحل انتهاك حرمته ، وعلى هذا التحقيق اللغوي والاصطلاحي فإن المراد بالإحرام للحج والعمرة هو الدخول في حرمات مخصوصة حددها الشرع على الحاج أو المعتمر منذ بدء مناسكه إلى التحلل التام منها .
أنواع الإحرام
لقد حدد علماء الفقه الإسلامي ثلاثة أنواع من الإحرام حسب كيفية أداء الحج مع العمرة أو بدونها ، وكل منها جائز ومقبول وله أحكام وآداب مخصوصه في ضوء الأدلة الشرعية فهذه الأنواع الثلاثة معروفة في مصطلحات الحج كالآتي : القرآن والتمتع والأفراد :
1 – القران بكسر القاف لغة ، الجمع بين الشيئين وفي العرف الشرعي الإسلامي : الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد ، بأن يحرم الشخص من الميقات بالحج والعمرة معا فيقول : “نويت الحج ، والعمرة معا” ثم يبدأ في التلبية المعروفة :”لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ” ثم يمضي في جميع أنواع الحج ويبقي محرما حتى ينتهي من جمرة العقبة يوم النحر فيجب عليه “الهدى” أي ذبح شاة أو الاشتراك في السبع أو أكثر من جمل أو بقرة فإن لم يتمكن لذلك فيصوم عشرة أيام ، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وبلده أي بعد انتهائه من أعمال الحج كلها ، ويجوز له أن يصوم ثلاثة أيام التشريق من ذي الحجة ولا يجوز في يومي عرفة بعرفة ويجوز أداء هذا الصيام في أيام متوالية أو متفرقة .
2 – التمتع ، وهو لغة : الانتفاع بالشيء والاستمتاع به وفي الشرع : أن يحرم الشخص بالعمرة من الميقات قائلا :”نويت العمرة” ثم يواصل مناسك العمرة كلها فيتحلل من الإحرام بعد السعي والحلق أو التقصير ، ثم يحرم بالحج بمكة يوم التروية أي الثامن من ذي الحجة ويكمل أعمال الحج كلها فعليه بعد الرمي يوم النحر الهدي فهو ذبح شاة أو سبع جمل أو بقرة فإن لم يجد فصيام عشرة أيام كما سبق نظامه في القران .
3 – الإفراد ، هو الإحرام من الميقات بالحج وحده فيقول نية الإحرام :”نويت الحج” ثم يلبي ويبقي محرما حتى ينتهي من أعمال الحج فلا هدي عليه من ذبح أو صيام ، وقد اختلف الفقهاء في أفضل أنواع الحج من هذه الكيفيات الثلاث ولكل فريق منهم أدلة نقلية وعقلية فبأن هذا الاختلافات لا يتصل بصميم الموضوع ولا بكمال الأعمال الخاصة بالحج والعمرة لا أرى لزاما علينا إقحام هذه المسائل الهامشية في أذهان المسلمين كل حين لكيلا يملوا من الخلافات المذهبية الفروعية أكثر فأكثر .
مواقيت الإحرام
“المواقيت” جمع ميقات وهو المكان الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم ليحرم منه من أراد الحج والعمرة ، سواء كان مروره عليه أو من طريق الأرض من طريق الجو ، والدليل على تحديد هذه الأماكن كمواقيت شرعية لقاصد مكة للحج أو للعمرة هو قوله عليه السلام بعد تحديد هذه المواقيت :”هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج أو العمرة” .
وأن المواقيت التي عينها النبي صلى الله عليه وسلم خمسة : الأول :”ذو الحليفة” ويسمى الآن “بيرعلي” و “أبيار علي” وهو ميقات أهل المدينة ومن مر به من غيرهم ، ومن هذا الميقات أحرم النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .
والثاني :”الجحفة” وهي ميقات أهل الشام ومن مر بها من غيرهم ، وهي الآن قرية قديمة بقرب مدينة رابغ .
الثالث : “يلملم” وهو عبارة عن مكان جبلي بتهامة بجنوب مكة ، وهو ميقات أهل اليمن ومن مر به من الآخرين .
والرابع : “قرن المنازل” وهو ميقات أهل نجد ومن مر بع من الآخرين ويسمى ذلك المكان اليوم “السيل” أيضا .
والخامس : “ذات عرق” وهو ميقات أهل العراق ، ومن مر به من غيرهم ، ويسمى أيضا “الضريبة” .
وجدير بالاعتبار أن الذين يقصدون الحج أو العمرة ويدخلون مكة من جهات أخرى عن هذه المواقيت فإنهم يحرمون عند محاذاة أقرب المواقيت إليهم فمن كان في طيارة – مثلا – يحرم إذا حاذى الميقات من الجو ، وكان عليه أن يتأهب له ويلبس ملابس الإحرام قبل محاذاة الميقات فإذا حاذاه ينوي الإحرام فورا ويبدأ في التلبية ويتمسك باجتناب محظورات الإحرام كلها .
لقد شاع بين الناس وهم خاطئ بأن كل من مر بأحد مواقيت الإحرام وهو في طريقه إلى مكة ، لا يجوز له تجاوزه بدون إحرام ، إن هذا مفهوم خاطئ لتشريع الإحرام وتوقيت هذه المواقيت للإحرام صريح بأنه لمن يريد المرور به لأداء الحج أو العمرة إذ قال :”هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلها ممن يريد الحج أو العمرة” فالمفهوم الصريح من تعليق الحكم بمن يريد الحج أو العمرة أن من مر بهذه المواقيت وهو لا يريد حجا أو عمرة وإنما يريد التوجه إلى مكة لغرض آخر من زيارة قريب أو صديق أو للتجارة أو العلاج أو طلب العلم أو إيصال الرسائل أو غيره من الأغراض فلا يجب عليه الإحرام ، وكذلك ينبغي أن يعاد إلى الأذهان من هذه المناسبة أن الحج أو العمرة لا يجب على المسلم إلا مرة واحدة في العمر فإذا مر بهذه المواقيت شخص بقصد مكة لغرض خاص ، وهو قد أدى الفرض قبل ذلك وإرادة الحج أو العمرة غير واجبة عليه فكيف يجب عليه الإحرام ؟ ودليل آخر على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم بل دخلها وعلى رأسه “المغفر” لكونه لم يرد حينذاك حجا ولا عمرة وإنما أراد فتحها وإزالة آثار الشرك والأصنام منها .
إحرام من يسكن داخل حدود المواقيت ؟ إن الذين يسكنون دون المواقيت أي داخل حدودها فلا ينبغي لهم أن يذهبوا إلى أحد المواقيت الخمسة المذكورة بل يكفي لهم الإحرام من مساكنهم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر المواقيت :”ومن كان دون ذلك فمهله أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة ” (متفق عليه) .
وقد اختلف الفقهاء في حق من له مسكن دون المواقيت ومسكن آخر خارج المواقيت فقال الجمهور أنه بالخيار فإن شاء أحرم من الميقات باعتبار مسكنه خارجه وإن شاء أحرم من مسكنه الذي هو أقرب من الميقات إلى مكة لعموم مفهوم الحديث المذكور بالنظر إلى كونه من سكان “دون ذلك” وللأخذ بأيسر الأمور رحمة من الله تعالى بعباده .
محظورات الإحرام
المراد منها : الأفعال التي يجب على المحرم بحج أو عمرة الامتناع عنها كما أنها تتنافى مع مقتضى الإحرام ، وهي ثلاثة أقسام : قسم يحرم على الرجال والنساء على حد سواء ، وقسم يحرم على الرجال فقط وقسم يحرم على النساء فقط ، ومحظورات الإحرام في جملتها تسعة كالآتي :
1 – إزالة الشعر من الجسد ، سواء من الرأس أو غيرها ، بحلق أو فص أو حك متعمد وبشدة ، ويجوز للمحرم أن يحك بيده برفق للضرورة القصوى وكذلك استعمال المشط لنفس الغرض وبنفس الطريقة فإذا سقط شيء من الشعر بلا قصد فلا جناح عليه عند جمهور العلماء .
2 – تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين بتعمد .
3 – استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن أو غيرهما من الأشياء المتصلة به فإذا بقي أثر الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام فلا بأس به .
4 – النكاح والخطوبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :”لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب” (رواه مسلم) .
5 – المباشرة الجنسية ومقدماتها .
6 – قتل الصيد البري وهو الحيوان الحلال البري ، غير الأهلي مثل الأرانب والحمام والظباء فأما الحيوان الأهلي مثل الدجاج فيجوز ذبحه وكذلك يجوز صيد السمك من البحر وأما قطع الأشجار فليس من محظورات الإحرام كما توهم البعض وإنما هو بالنسبة إلى داخل الحرم وليس بالإحرام ،(وهذه المحظورات الستة تنطبق على الرجال والنساء بدون تفريق) .
7 – لبس المخيط للذكور وهو يشمل جميع الملابس المخيطة في العادة كالقميص والجلباب والبنطلون والفنيلة وغيره ، وجدير بالذكر أو الممنوع هو لبس هذه الملابس على الوجه المعتاد أما إذا استعمل شخص القميص رداء أو وضعه تحت الرأس كالمخدة فلا يطلق عليه لبس المخيط بصفة العادة فلا بأس بمثل هذا الاستعمال .
8 – تغطية الرأس (للذكور أيضا) بملاصق معروفة مثل الطاقية والغترة والعمامة ، وأما ستر الرأس غير المتصل مثل الشمسية والخيمة وسقف السيارة فلا بأس .
9 – لبس المرأة المحرمة النقاب أو البرقع أو غيره من شيء يستر وجهها وكذلك لبس القفازين لديها لقول النبي صلى الله عليه وسلم :”لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين” (رواه البخاري) ، ويجوز لها غيرهما أي النقاب والقفازين من المخيطات كالقميص والسروال والخفين ونحو ذلك وكذلك لا شيء عليها إذا مس الخمار والجلباب وجهها بدون قصد .
وأما الفدية في هذه المحظورات فهي أن يذبح الحاج أو المعتمر في كل واحد منها ، شاة أو سبع جمل أو بقرة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام حسب اختياره ما شاء من هذه الأمور الثلاثة .
أنواع الطواف
الطواف من حيث النية والغرض والحكم ثلاثة أنواع ، وأما من حيث أركانه وآدابه وكيفيته فلا فرق بينها .
1 – طواف القدوم ويقال عليه أيضا : طواف التحية وطواف الدخول ، وهو ليس بركن ولا واجب في الحج أو العمرة ويجزئ عن طواف القدوم طواف العمرة إن كان المحرم قارنا أو متمتعا ، ثم عليه أن يمضي في استكمال أفعال عمرته من السعي وغيره ، وأما المفرد فيقوم بطواف القدوم ثم بسعي الحج إذا أراد ثم عليه طواف الإفاضة (طواف الحج) في موعده كما هو معروف .
2 – طواف الإفاضة ويقال له أيضا طواف الحج أو طواف الزيارة وهو ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به ، فوقته بعد رمى جمره العقبة يوم النحر والتحلل الأول بالحلق أو التقصير ثم يتوجه إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة فيتحلل التحلل التام ، وقال المفسرون إن هذا الطواف هو المراد في قوله تعالى :”ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق” .
3 – طواف الوداع ، إن طواف الوداع واجب عند الخروج من مكة على كل حاج ومعتمر – على رأي جمهور العلماء – إلا الحائض والنفساء ، وذلك ليجعل آخر عهده بالبيت الحرام طواف الوداع .
4 – طواف التطوع ، وليس له وقت محدد ويجوز أن يقوم به المحرم وغير المحرم في أي وقت شاء حسب شروط الطواف وسننه ، وخاصة عند دخوله المسجد الحرام لأن الطواف هو التحية بالنسبة إلى المسجد الحرام وليست الصلاة كسائر المساجد .
استحباب “الرمل” و”الاضطباع” في طواف القدوم فقط
ينبغي الانتباه جيدا عند قيام المحرم بطواف الكعبة في ملابس الإحرام إلى أمر هام يتغاضى عنه الكثيرون إفراطت وتفريطا ، وهو مسألة استحباب الرمل والاضطباع .
أما الرمل فهو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطوات أثناء الطواف ، فهو مستحب في الأشواط الثلاثة الأولى فقط في طواف القدوم ، وأما الأشواط الأربعة الباقية منه إنما يمشي كالعادة .
وأما الاضطباع فهو أن يجعل المحرم وسط ردائه داخل إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر ، من ابتداء طواف القدوم إلى انتهائه فإذا فزع من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف لأن الاضطباع المسنون أثناء هذا الطواف فقط ، وأن سنة الاضطباع والرمل إنما في طواف القدوم وفي أنواع الطواف الأخرى لم يرد دليل يدل على مشروعيته أو استحبابه وكذلك لا يستحب الرمل للنساء وإنما عليهن المشي العادي فقط .
شروط الطواف وكيفيته
شروط الطواف بصفة عامة سبعة ، وهي : (1) الطهارة من الحدث الأصغر والحدث الأكبر (2) سترا العورة (3) إكمال سبعة أشواط (4) البدء من الحجر الأسود والانتهاء إليه (5) جعل البيت الحرام (الكعبة) عن يسار الطائف (6) الموالات في الأشواط (عند بعض الأئمة) (7) أن يكون الطواف كله خارج الكعبة حتى عن “شاذ روانه” المعروف المحيط ببنائها .
وأما كيفيته المسنونة فهي استقبال الحجر الأسود عند بدء كل شوط مع التكبير ، وتقبيله أو استلامه بوضع اليدين عليه أو رفعهما إشارة إليه وكذلك استلام الركن اليماني للكعبة والرمل والاضطباع في طواف القدوم ، للرجال دون النساء .
ويسن للطائف صلاة ركعتين ، بعد كل نوع من أنواع الطواف المذكورة خلف مقام إبراهيم فيقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة “الكافرون” وفي الثانية سورة “الإخلاص” ، ويجب على النساء أثناء الطواف حول الكعبة مع الرجال ، أن لا يزاحمن الرجال وخاصة عند الحجر الأسود ويكفي لهن في هذه الحالة المزدحمة الاستلام بالإشارة أو رفع اليدين وكذلك يجوز لغير القادر على المشي في الطواف أن يركب على الكرسي والسرائر المحمولة على الأكتاف ، وبعد الفراغ من الطواف يستحب الشرب من ماء زمزم وكذلك الدعاء عند الملتزم بباب الكعبة وإذا تمكن له فمن الأفضل أيضا أن يصلي في الحطيم (حجر إسماعيل) لورود روايات أنه جزء من الكعبة وأن الصلاة فيه كالصلاة داخل الكعبة .
الوقوف بعرفة
قال النبي صلى الله عليه وسلم :”الحج عرفة” وحدود عرفة معروفة ومحدودة بالبوابات الخاصة والمعالم الدالة على الدخول إليها والانتهاء منها ، وعرفة كلها موقف ، ويجزي الوقوف في أي جزء منها إلا “بطن عرفة” الذي يشتبه فيه بعض الناس ويقف فيه وكذلك جزء قديم من مكان مسجد نمرة أيضا ليس من داخل حدود عرفة فيجب على الحاج أن يتأكد من حدودها ولا يجوز لمن وقف بعرفة أن يغادر حدودها إلى مزدلفة حتى تغرب الشمس يوم عرفة أي اليوم التاسع من ذي الحجة .
وأن وقت الوقوف بعرفة من زوال اليوم التاسع إلى طلوع فجر اليوم العاشر من ذي الحجة لدى جمهور العلماء ويكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا ، ولكن إذا وقف بالنهار وجب عليه الاستمرار فيه حتى غروب الشمس ، وإذا لم يتمكن الوقوف حتى طلوع فجر يوم العيد فقد فاته الحج ، وقضى الحج الذي فاته لأن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم للحج فلا يقوم إلا به .
ومن السنن للواقف بعرفة استقبال القبلة وجبل الرحمة إن تيسر ذلك فإن لم يتيسر استقبالهما معا استقبل القبلة ويجتهد في الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله تعالى ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :”ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة” ، ويستحب للحاج أن يفطر يوم عرفة وأما سائر المسلمين في العالم فيستحب لهم صيامه ، ويصلي بعرفة كذلك الظهر والعصر قصرا وجمعا في وقت الظهر بآذان واحد وإقامتين .
ومن السنن أيضا إذا أمكن نظرا لظروف الازدحام والمواصلات في هذه الأيام المتسمة بالميكنة والروتينات في كل مرفق من مرافق الحياة ، النزول بنمرة إلى الزوال فإذا زالت الشمس يخطب الإمام في مسجد النمرة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعدها يؤم الصلاة قصرا وجمعا بين الظهر والعصر بآذان واحد وإقامتين ثم يقف الحجاج بعرفة في حدودها المعروفة حتى الغروب .
شروط السعي وآدابها
من الأفضل أن يكون السعي مواليا للطواف ، وإن تأخرا قليلا فلا بأس عند جمهور الفقهاء ولكن اشترطوا أن يكون بعد الطواف ، والشرط الثاني ، أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ، والرابع : أن يتم السعي كله في داخل حدود المسعى الممتدين الصفا والمروة .
ولا يشترط فيه الصعود على الصفا والمروة ويكفي لصق القدم بهما ذهابا وإيابا وكذلك لا تشترط فيه الطهارة ولكنها سنة وجدير بالذكر أن المسعى ليس من المسجد الحرام .
ويجوز لمن تبع في السعي أن يجلس ويستريح ثم يكمل سعيه وكذلك يجوز السعي للعاجز على عربة ونحوها ، ويسن الإسراع في المشي أثناء السعي في بطن الوادي وهو المعروف الآن بين العلمين الأخضرين وهذا للرجال فقط ولا يسن للنساء فليحذر أولئك الذين يرتبكون تلك البدعة في حق النساء حهلا أو إمهالا وعلى الذين في مكنتهم النصيحة أن ينصحوا الرجال المحارم لتنبيه نسائهم الحاجات أو المعتمرات أو إلى الأخوات المسلمات بحق الأخوة والنصيحة لتجنب هذه الهرولة والدحرجة التي لم يشرع في الإسلام ، وتجلب مشقة ومهزلة للنساء في هذا الموقف المزدحم والمنظر المحرج ، بدون جدوى ولا فحوى في مناسك هذا الركن العظيم من الإسلام .
آداب الرمي والنحر
إن رمي الجمار واجب في الحج وأيامه ثلاثة أو أربعة يوم النحر جمرة العقبة فقط بسبع حصوات وفي الحادي عشر والثاني عشر بإحدى وعشرين حصاه موزعة على الجمرات الثلاث كل يوم ، وإذا أقام بمنى مساء الثاني عشر أيضا فيجب رمي الجمرات الثلاث في الثالث عشر كذلك .
وأما الذبح يوم النحر فيشترط أن لا يكون في الحيوان الذي يذبح من شاة أو جمل أو بقرة عيب ظاهر أو باطن يؤثر على لحمه ، ولا مقطوع إليه أو الرجل أو الأعرج أو الأعور وكما لا يجوز أن يكون عجوزا جدا ولا صغيرا جدا ، وأن وقت ذبحه إن كان هدى قران أو تمتع فهو يوم النحر بالذات وإن كان فدية المحظورات فليس له وقت محدد ويكون حقا للفقراء والمحتاجين .
التحلل التام
والترتيب بين هذه الأعمال الأربعة سنة فهي : رمي العقبة ثم الذبح ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف وبعد هذا الطواف الركن أي طواف الإفاضة ، حل للمحرم كل شيء حتى النساء وهو التحلل التام الأخير ، ويعيش حياته العادية في الملابس وعادات الأكل والشرب والزينة ، ويجب أن يكون آخر عهده بالبيت الحرام وعمله فيه طواف الوداع .