الدعوة – 1-أكتوبر-1981 م – دلهي – الهند
(7) التربية على العمل الصالح .
إن كلمة العمل الصالح كلمة جامعة شاملة لمعان كثيرة ، ما مزايا عديدة وحقائق جمة ، لقد صرح القرآن الكريم والأحاديث النبوية في عدة مواضع بأن الإيمان وحده لا يكفي لنيل الفوز والنجاح في الدارين والفوز بمرضاة الله تعالى ، ولإقرار الأمن والطمأنينة في العالم ولكن لا بد مع الإيمان العمل الصالح – العمل الصالح لله عز وجل ، ولنفسك ولوالديك ولأقاربك و لقومك ولوطنك وللعالم الإنساني كله – لأن الإيمان لمنشأ والعمل الصالح لمظهر ولا يوجد المظهر بدون المنشأ ، وكذلك يلزم مظهر لكل منشأ ، ومن هنا كانت الأعمال الصالحة في كل معانيها ومظاهرها لازمة للفوز في الحياة الدنيا والآخرة وواجبة لإقامة العدالة الإنسانية في الجنس البشري ، ولهذا لا نجد آية من القرآن تتحدث عن الإيمان والعقائد إلا وهي مقترنة بالعمل الصالح ، ويقول القرآن “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” .
“والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، ثم رددناه أسفل سافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين” .
ومن السذاجة البديهية الاكتفاء بالإيمان والعقيدة فقط للوصول إلى الأهداف التي تتطلبها هذه العقيدة ، وهذا الإيمان بدون العمل بموجب تلك العقيدة والإيمان فتبين لنا معا سلف أن العمل الصالح هو الوسيلة الوحيدة لإنجاح مطالب الإنسان وللوصول الى أهداف النبيلة ، وأن الإسلام دين العمل والعقيدة فيوجب على كل إنسان أن يعمل لصالح غيره كما يعمل لصالح نفسه ، وتظهر هذه الحقيقة السامية وهذا المبدأ النبيل في جميع تعاليم الإسلام ، ويقول الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” . “الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”.
فلا يصبح مؤمن مؤمنا كاملا في نظر الإسلام إلا إذا كان عاملا لصالح أخيه الإنسان كما يعمل لصالح نفسه ، وبهذا التعليم السامي يضع الإسلام حلا فاصلا للكثير من المشاكل التي تنبعث من المطامع الشخصية والتكالب البيهمي في سبيل حطام الدنيا ، فهو يدعو العالم إلى المبدأ – النبيل لحل معضلات الجنس البشري كلها – المبدأ الذي يتطلب من كل فرد أن يعمل – لصالح كل إنسان كما يعمل لنفسه بل وينصح بالإيثار ولو كان به خصاصة ، ثم يعلن أنه لا حل لمشاكل العالم الإنساني الحائر إلا بتقوية الإيمان الصحيح في القلوب والعمل الصالح لنفسه ولقومه ولوطنه فيصبح العالم الإنساني كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تشاركه سائر الأعضاء في آلامه وآماله .
ولا يخفى على كل من له إلمام صحيح وفهم سليم للأسباب الحقيقية التي صار بها المسلمون الأوائل والسلف الصالح أعزة وأئمة في العلوم والمعارف وأصبحوا سادة العالم ووقادته وسجل التاريخ تراثهم المجيد وأعمالهم العظيمة بمداد من النور – لا يخفى عليه أنه الإيمان العميق والعمل الصالح بمقتضى كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم بفهم إدراك ، ويجب أن يستعاد إلى الأذهان أن مصور الشيء وخالقه أدري بطبائعه غرائزه وأخلاقه ، فلا يستطيع أحد أن يضع قانونا صالحا لطبائع الناس كلها وموافقا لفطرة الإنسانية بأجمعها سوى خالق الإنسان وربه وعالم بطبائعه ونزعاته ونزواته فالقرآن منزل من رب الناس للناس دستورا عاما وشاملا وخالدا وصالحا لكل زمان ومكان وظروف ، فإذا انحرف قوم من تعاليم خالقهم واتبعوا أهواءهم وشهواتهم ، فما بعد الهدى إلا الضلال والخزي والانحلال ، وهذا مصداق لقوله عز وجل ، فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا (مريم : 60) .
وكذلك يجب أن نتذكر إرشاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :”صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس كلهم وإذا فسدوا فسد الناس كلهم العلماء والأمراء ” فكان علماء السلف الصالح صلحاء – اتخذوا علمهم رائدهم في شؤونهم كلها وعملوا بما علموا من غير إفراط وتفريط ، ولم يعرفوا العوادة والضعف في تنفيذ أحكام الله والإظهار بها والدعوة إليها وكانوا نبراسا للحائرين وأسوة حسنة للناس وكان أمراء هم صلحاء وقد اعتبروا أمرتهم أمانة مقدسة في أعناقهم من عند الله عز وجل وجعلوا مهمتهم تنفيذا لأحكام دستور خالق البشر في البشر وليس لأهوائهم وشهواتهم نصيب في إدارة شؤون الأمة والبلاد فالعلماء يرشدون وينصحون والأمراء يهتدون وينفذون والأمة يطيعون للعلماء والأمراء فكانوا يدا واحدة وقوة واحدة وكانوا ساهرين على مصلحة أمتهم وطنهم وكانوا يؤثرون المصالح العامة في جميع الأمور على المصالح الخاصة والأغراض الشخصية إذا تعارضتا وهذه هي الأوصاف اللازمة لكل أمة حية ووسائل النجاح لكل قوم في كل زمان ومكان .