الدعوة – 1-مايو-1982 م – دلهي – الهند
(8) أسس التضامن الإسلامي .
لم يكن الناس في يوم من الأيام في غنى عن روابط تربطهم أفرادا وجماعات بعضهم ببعض بل وما كان في وسعهم – لو أرادوا – أن لا تكون لهم تلك الروابط وأن يتخلوا منها لأنها لازمة لوجودهم في هذا العالم وأنواع الروابط التي تربط الإنسان بعضهم مع البعض كثيرة ، منها : رابطة القرابة ، ورابطة الوطن ورابطة اللغة ، ورابطة الجنس ، ورابطة الصداقة ، ورابطة الدين ، ورابطة الثقافات وغير ذلك ، أن طبيعة الحياة في – هذا العالم تزاحم وتغالب ومدافعة في سبيل الحصول على حاجة النفوس ورغباتها والفوز في هذه الأحوال أنها لأولى القوة والبطش وفرد واحد أو بعض الأفراد في أكثر الحالات لا يقوي أن يصمد أماما ما يعترض سبيله فلا بد له من روابط يستعين بها على الظفر بما يطلب والمحافظة على ما اكتسب وكانت له تلك الروابط عمادا لحياته وحافزا لبقائه وسكونه .
وهنا مشكلة خطيرة أخرى وهي : مع كون هذه الروابط من الضروريات للانتفاع ولشدة الحاجة إليها قد تختلط على طائفة من الناس فتنتهي بهم إلى الاختلاف والنزاع وتسلمهم إلى التعارض فبعضهم يؤثر رابطة والبعض الآخر يختار رابطة أخرى فإذن يقتضي القانون الفطري أن يكون لهذه الروابط نظام وحدود ينتهي عندها كل خلاف ويرتفع لديها كل تعارض ، وذلك إنما يكون بتغلب رابطة منها وإخضاع سائر الروابط لمقتضاها .
فجاء الإسلام معلنا بأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها فغلب رابطة الدين على جميع الروابط مع إقرار سائر الروابط بشرط أن تخضع لهذه الرابطة فجعل من المسلمين أمة واحدة مهما اختلف جنسياتهم وتعددت لغاتهم وتباعدت أوطانهم وتباينت عاداتهم فأصبح المسلمون بتلك الرابطة أمة واحدة وطنهم دار الإسلام ودستورهم القرآن وهدفهم إعلاء كلمة الله طريقهم العمل وترك التواكل والتكاسل يحكمون بدستور خالق البشر فقط ويهتدون بهديه ، وينزلون على حكمه في كل اختلاف ونزاع تتكافأ دماؤهم وتتساوى حقوقهم ويسعى بذمتهم أدناهم وأخيرا وليس آخرا وهو يد على من سواهم أن الإسلام لم يهمل أمر الروابط الأخرى وما حط من شأنها مثلا أقر الإسلام رابطة القرابة فأعظم أمرها واتخذها أساسا لنظام الأسرة ورتب عليها كثيرا من الحقوق والواجبات فأوصى بالإحسان إلى الوالدين وذوي القربى في كثير من الآيات ، وقال :”إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والمنكر” ، “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى” ، “وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا” .
وفي كل ذلك دلالة قوية على ما لروابط القرابة من عظيم الأثر وجليل الخطر في بناء الأسرة وتكوين الأمة وكذلك قرر الإسلام بل أحكام رابطة المصاهرة ورابطة المال ورابطة الوطن ولكل جعل هذه الروابط كلها أدنى من رابطة الدين منزلة التي شعارها حب الله و الرسول والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله ، حتى حدد من يفضل تلك الروابط على رابطة الدين فأعلن دستور الإسلام القرآن الكريم – “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأت الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين” ، وإن قول رسول الإسلام :”لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” ، يجعل الدين حاكما في كل ما يطلب ويرغب وهو إعلان بأن رابطة الدين هي حاكمة على جميع الروابط الهادية إلى الطريق الذي يجب سلوكه فيتلاشى كل رابطة أمام رابطة الدين عند التعارض فلم ينزل بالمسلمين هذا الضعف والوهن إلا حين انحلت تلك الرابطة فانقسمت الأمة الإسلامية بحسب أوطانهم فرقا وشيعا ، وحل دفاعهم عن أوطانهم محل دفاعهم عن دينهم واستعاضوا عن نصرة دين وإعلاء كلمة الله في العالم بالعمل على المحافظة ببعض المظاهر الزائلة الزائفة والجاه الكاذب وحقيقة التشتيت والتفرق بين المسلمين ، أن الغرب انتهى أخيرا إلى جماعات متفرقة تعددت بتعدد أوطانها وتفرقت بتفرق بلدانها على الرغم من بينهم من وحدة في الدين فاتخذوا شعار الوطن ستارا يستتر وراءه مظهر الملك وبقاء السلطان وأخيرا انتقلت فكرة الرابطة الوطنية والجنسية إلى الشرق فانهزمت لذلك رابطة الدين أمام هذه الرابطة الوافدة البراقة في مظهرها الوبيلة في مخبرها فزادت ما بين المسلمين من تفرقة وساعدت على بث بذور الخلاف الضعف والانحلال والاستكانة الرضوخ لنفوذ الأجانب وسلطانهم ، وأين هذه الحال عند ما اشتدت فيهم العصبيات الجنسية والوطنية واللونية وغيرها ، من حالهم يوم كانوا أمة واحدة ينعتها القرآن بقوله :”إنما المؤمنون إخوة” فيوثق بينهم رابطة الأخوة ويجعل انضوائهم تحت لواء وحدة الدين كانضواء الأخوة تحت لواء الأبوة ويقف كل مسلم في أي ناحية من نواحي العالم على حالة أخيه المسلم في ناحية أخرى حتى لا يغيب على أي فرد من أفراد الجماعة الإسلامية أحوال الآخرين وكيف لاوهم يعدون أن كل فرد من أبناء الإسلام عضو من الجسم الإسلامي لا يعيش وعلى الأقل لا يكمل عيشه ، إلا به حيث التساوي في الحقوق والتبادل في الود والتسابق في الحب والتماثل في القرب والتعاون عند العمل والتراحم عند النوازل والتواصل عند الحاجة ، ولا تحاسد ولا تباغض ولا تدابر ولا تقاطع ولا تخاذل ولا تواكل يود كل منهم لو يحمل عن أخيه ألمه ويؤدي عنه مغرمه ويسارع إلى نصرته وينتدب لحمايته ولهذه الخصال التي شاعت فيهم انطبق عليهم قوله تعالى :”كنتم خير أمة أخرجت للناس” إلى آخر الآية ، وأن رسول الإسلام قد بين أسس الوحدة الإسلامية تضامنية وهي :
1 – المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا .
2 – لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
3 – المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .
4 – لا تحاسدوا ولا تفاحشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقده الخ” .
5 – لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام .
6 – إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، فقال الصحابة : هذا القاتل فما بال المقتول ؟ إنه كان حريصا على قتل صاحبه.
7 – سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .
8 – انصر أخاك ظالما أو مظلوما قال يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال : تأخذون فوق يديه .
9 – بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .
10 – من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة .
هذه صورة الأمة الإسلامية في وحدتها وقوتها وتضامنها وتعارفها وتعاونها ويصفهم رسول الله وصفا رائعا ويمثلهم تمثيلا بديعا بقوله “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وهذا كيف يستطيع التعاون والتعاطف بغير التعارف بين أفراد الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها …
هذا برهان ساطع على وجوب تعارفهم ووحدتهم حتى يكون العالم الإسلامي جسما واحدا له نفس واحدة وقوة واحدة تتجه إلى غرض واحد وتنهج منهجا واحدا وتذود عن وطن واحد وعن قومية واحدة وعند ذلك يتم لها الظفر كما تم لهم من قبل ويمكن الله لهم في الأرض كما مكن لهم من قبل “سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا” .