قضية هامة في محاضرة عامة
الإسلام . . .كيف ينظر إلى الثقافة ؟
إنها ثقافة الروح والنفس والذهن والسلوك والمعاملات
الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 4-فبراير-1987 م
كتب / كمال جعفر
في إطار الموسم الثقافي لإدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام ، ألقى الدكتور محي الدين الآلوائي المشرف على قسم الشؤون الدينية بصحيفة “الخليج اليوم” محاضرة مساء أول أمس الاثنين بمركز الدوحة الثقافي بمدينة خليفة ، حول :”مفهوم الثقافة في الإسلام” .
وفي بداية المحاضرة التي قدم لها الدكتور محمد طالب الدويك بإدارة الثقافة والفنون ، حدد الدكتور الآلوائي الاعتبارات الرئيسية التي يستخدم وفقا لها مصطلح “الثقافة” . . ورأى أن هناك أربعة اعتبارات : جغرافية (الثقافة الأوروبية ، الأمريكية . . إلخ) ، وقومية (الثقافة الصينية ، العربية ، الفرنسية . . إلخ) ، ودينية أو عقدية (الثقافة الإسلامية ، المسيحية . . إلخ) ، وقيمية وفكرية وإنسانية (الثقافة الروحية ، الأخلاقية . . إلخ) .
وأكد على أن عملية التحكم الثقافي لا تقل أهمية عن عمليات التحكم الاقتصادي والعسكري والسياسي ، على مستوى الدول والحكومات والشعوب المختلفة في عالمنا المعاصر .
لغة واصطلاحا
وعرض المحاضر لتعريف وتحديد معنى “الثقافة” لغة واصطلاحا وعرفا ، فذهب إلى أن مادة “الثقافة” مشتقة من فعل : ثقِف ، يثقَف أو ثقُف ، يثقُف ، بمعنى حذِق ، وفهِم بسرعة .
وقال : إن التثقيف إنما هو تقويم الشيئ من اعوجاجه وتزكيته من مساوئه وترتيبه على أساس سليم وتنميته على طريق سوي مستقيم .
وأشار الدكتور الآلوائي إلى بعض المفهومات المغلوطة في مجال الثقافة والتثقيف ، وإلى التصور الخاطئ المشوه عن العلاقة بين الثقافة والإسلام ، وقال : إن هذا التصور نشأ نتيجة لمفاهيم خاطئة عن حقيقة الإسلام وحقيقة الثقافة أو نتيجة لشبهات أثارتها ولا تزال تثيرها بعض الجهات والدوائر المغرضة ، من أن الإسلام لا علاقة له بالثقافة ، وما هو إلى ذلك .
وقال إن مصطلح “الثقافة” بالرغم من عدم تداوله بين علماء المسلمين وأدبائهم في عصور الإسلام الأولى ، إلا أن الإسلام بمعناه الشامل ، إنما هو الثقافة الإنسانية الفطرية ، كما أن الثقافة الإنسانية الحثة هي الإسلام .
الإسلام لهداية البشر
وأضاف أن الإسلام نظام إلهي فطري عام شامل ، وجاء لهداية البشر إلى حياة مستقيمة تحقق له الفوز والسعادة ، وهو في الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وأن نجاة الإنسان وسعادته هما اتباع قوانين الفطرة التي وضعها الله سبحانه وتعالى .
وقال إن الآيات القرآنية أكدت على أن الدين القيم هو الفطرة ، وأن الفطرة الإلهية هي الدين القيم ، بحيث يستحيل وجود أو حديث أي تناقض بين الدين القيم والفطرة السليمة .
وقال الدكتور الآلوائي أيضا إن الإنسان إلا بنمو العنصرين معا .. كما لا تتحقق تربيته إلا بتربية العنصرين بحيث لا حياة حقيقة ومتكاملة للإنسان إذا فقد أحد هذين العنصرين ، ومن هذا المنطلق فإن مفهوم الثقافة في الإسلام أو الثقافة التي يهدف إليها الإسلام إنما هي ثقافة شاملة متكاملة لجميع مرافق حياة الإنسان . . فهي ثقافة للروح والنفس والذهن والسلوك والمعاملات .
ثم أورد المحاضر شواهد عديدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وسير الخلفاء الراشدين ، لاستنباط المنهج الذي اتبعه الإسلام في تثقيف مختلف جوانب حياة الإنسان .
وقال : إن الثقافة الإسلامية تحقق للمسلم ذاتيته الخاصة وشخصيته المتميزة بلا تقليد ولا انبهار بثقافات مستوردة أو مبتورة .
إيجابية الثقافة
كما تحدث الدكتور الآلوائي عن إيجابية الثقافة الإسلامية وقال : إن الغاية من هذه الثقافة تنمية المواهب لا تبديدها ، واغتنام الأوقات الثمينة لا تضييعها ، وإزالة الإرهاق لا زيادته ، وقال إن التدهور أو التداخل الذي حدث في التصور الثقافي في المجتمع الإسلامي بشكل عام والشرقي منه بشكل خاص ، يعود إلى ضغوط الثقافة الغربية وأنماطها ووسائلها وغاياتها ، كما يعود إلى تحكم النفوذ الغربي في مصائرنا وأقدارنا ، بل في تسيير شؤون حياتنا .. كما يعود أيضا إلى تخلف العالم الإسلامي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والفنون التي ازدهرت في الغرب .
وتوقف المحاضر كثيرا عند ظاهرة انبهار الشباب في عالمنا العربي والإسلامي بمظاهر الثقافة الغربية ومحاكاتها وتقليدها . . وقال : إن الشباب معذورون في ذلك ، لأن وسائل الإعلام الغربية ومناهجه المستوردة تتحكم في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي ، وفي الوقت نفسه لم يقم بديل للمناهج الإعلامية الغربية في العالم الإسلامي .
وطالب الدكتور الآلوائي الجهات المعنية بشؤون الثقافة في العالم الإسلامي أن تتبع خططا مدروسة ومتقنة ومتكاملة لتنفيذ منهج ثقافي إسلامي في كل مرافق الحياة .
وقال في ختام المحاضرة : ينبغي لنا أن نذكر وأن نضع في الاعتبار ، أننا خير أمة لأننا أمة خير البشر ، وأتباع خير الأديان ، وحاملو خير الحضارة وأصحاب خير الثقافة وكل هذا وذاك مسجل ومدون من واقع التاريخ المجيد بمداد من نور ، ولا يخفى ذلك على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .