الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 12-أبريل -1987 م
ارى أن أختتم هذه الحلقات القصيرة لسلسلة قضية خطيرة ذات عظات وعبر ودروس وخبر ، للعقول المفكرة والنفوس المبصرة في حالة أمة القرآن في طور هذا الزمان المليئ بالنهضات والتطورات في عدة مجالات في حياة الإنسان المعاصر أو العصري حسب التعبير الحديث لأن هذا الأمة التي فتحت الطريق أمام البشرية تجاه الحضارة الإنسانية المجيدة القائمة على أسس من العلوم والمعارف الصحيحة بعيدة عن الظنون والأوهام ومن الإيمان القويم بالحقائق الثابتة الأزلية خاليا من الخرافات والترهات وما زالت ملامح تلك الحضارة الشاملة ومآثرها المجيدة ، ماثلة أمام أعين الناظرين بعين التحقيق الإنصاف ومدونة بأقلام العلماء الناصحين غير المتأثرين أو المتضللين بأبواق التشويه والتشكيك المغرضة المعادية ، وكانت الأمة الإسلامية تتمسك لزمام الأمور في هذا المضمار ، ومادامت تتمسك بأصول القرآن وتعاليم نبيه ، عن فهم وإدراك ، ولم تتخلف هذه الأمة قليلا عن ركب التقدم العصري إلا بعد أن انحرفت قليلا عن صبغة دينها الأصيلة ، وشابتها العناصر الداخلية .
إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم حاضرا حافلا بالتطورات والتقلبات العصرية وتستشرف آفاق التقدم والنهضة في جميع المجالات ، وتتطلع إلى مستقبل مشرق باهر ، يتفق وحضارتها العريقة القائمة على الرسالة السماوية التي أثارت للبشر طريقهم السوي إلى سعادتي الدنيا والآخرة ، وكل أمة في محاولتها الدائبة للتقدم وفي سعيها المتواصل للرقي ، لا بد لها أن تلقي بأنظارها ، حينا فآخر إلى ماضيها المجيد ، تستفيد منه العبر المؤثرة لتكون نبراسا ينير الطريق إلى المستقبل الذي ترنو إليه ، وإذا نظر المرء بعين التحقيق والإنصاف ، فيدرك أن ركود المسلمين في السنين الأخيرة لا يرجع سببه في قليل أو كثير إلى تأثير دينهم أو نبيهم ، بل إلى بعض الأسباب الخارجية الطارئة وإلى تأثير المؤامرات العديدة التي حيكت ضد هذه الأمة ، ولا يخفى على من له إلمام بروح الإسلام أنه النصير الأكبر للعلم والحضارة والحليف الغيور على الحرية الفكرية والفلسفية .
ثم نسأل التاريخ : ماذا كان شأن القرآن إزاء العلوم الكونية والنظرية ، وإزاء البحث العلمي ؟ إذ شجع الحركة الفكرية والنظرية في العالم الإنساني ورد الحياة إلى كيانه ، بعد أن كان في دور الاحتضار بهذه الآيات القرآنية الواضحة :
1 – “ٌقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولو الألباب” (الزمر : 9) .
2 – “وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” (العنكبوت : 43) .
3 – “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من
السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحال المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون” (البقرة : 164) .
4 – “ألفم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب المي في الصدور” (الحج : 46) .
5 – “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” (المجادلة : 11) .
6 – “قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق” (العنكبوت : 20) .
7 – “أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء” (الأعراف : 185) .
8 – “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون لها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل لهم أضل أولئك هم الغافلون” (الأعراف : 231) .
9 – “واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة” (البقرة : 231) .
10 – “ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” (البقرة : 269) .
ثم نسأل تلك الأبواق المضللة عن ماذا كان دور هذا الكتاب في أن يمنح العالم الإنساني ، ومن أتباعه ، الآلاف من فطاحل العلوم العقلية من الرياضيات والطبيعيات وما وراء الطبيعة وكذلك الفلاسفة والآدباء والفنانين من أمثال الكندي والفارابي وابن رشد وابن الهيثم وابن سيناء والخوارزمي والطوسي وغيرهم “وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل” .