الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 19-أبريل-1987 م
لقد أصبحت كلمة الجهاد لغويا وكذلك اصطلاحيا في هذه الأيام عرضة لمفهومات مغلوطة واستخدامات خاطئة أحيانا حتى صار هذا اللفظ أو المصطلح مثار أخذ ورد بين أصحاب الآراء والأفكار المختلفة لتحديد غاياتهم وتخطيط وسائلهم العملية أو المنهجية ، ومن الطامة الكبرى أن بعض الجهات المغرضة تستخدم هذا المصطلح لتحقيق مآربها الخاصة وتحريض طائفة أو جماعة على الانتماء أو الانتساب إلى جانب هذه الجهة أو الجبهة بينما تستغل جهات أخرى مغرضة لفظ الجهاد الذي يستخدمه بعض الجماعات المنتمية إلى الإسلام أو يعمل تحت لوائه وشعاره بعض المسلمين للتهجم على التعاليم الإسلامية ولتوجيه اتهامات أو أضاليل مغلوطة إلى مفاهيم الإسلام الحقة ، متخذة أعمال هؤلاء المسلمين او جماعاتهم حجة على تشويه الصورة الناصعة والصحيحة لتعاليم الإسلام الحقة مع هؤلاء المتهجمين أو المهاجمين المكرين يعرفون حق المعرفة أو الإسلام بمفهومه السليم أو القويم بريئ من استخدامات هؤلاء أو أولئك لفظ الجهاد ، عمدا أو جهلا او نفاقا ، ولكن المحذور واقع اليوم ، والمحظور واضح في كثير من مساحات الحركات الإسلامية ، حتى أصبح هذا الشعار أو هذا العنوان الذي يحمله بعض جماعات أو جبهات المسلمين كما عرفنا مطية لأعداء الإسلام والمسلمين في كل مكان أو جبهة سياسية أو حضارية أو اقتصادية وخاصة جبهة الاستعمار والصهيونية وفي أذيالها بعض أبواق المستشرقين أو المحترفين للإرهاب أو المرتزقة في سبيل المال والسلاح والجاه والمتاع ، لتوجيه اتهامات مضللة ومذهلة إلى تعاليم الإسلام الحقة ونظامه القويم لخدمة الإنسانية وبنائها على أساس سليم ولتحقيق الأمن السليم والطمأنينة والوئام بين الناس جميعا .
وكل هذا وذاك ناتج من بعض المفاهيم الخاطئة والمفهومات المغلوطة لمصطلح الجهاد في مفهوم الإسلام ، في ضوء القرآن والسنة الصحيحة وسيرة السلف الصالح ، وإذا تتبعنا كلمة الجهاد في القرآن أو الحديث نرى أن هذا اللفظ قد استخدم في كل مكان وفي كل أوان بمعنى البناء الحقيقي ماديا كلن أو معنويا ولم ترد هذه المادة ومشتقاتها على الإطلاق من قريب أو بعيد لإعطاء مفهوم الهدم أو التخريب أو الإرهاب والتهديد بل جاء كلها لمنح المعاني الإيجابية لا السلبية ولتحقيق الطاقات البنائية لا الهدامية ولتقوية الأرواح لا لتصفية الأجساد بل لتزكيتها ولاستيعاب الطاقات المختلفة واستثمارها في مجالات تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية القومية وفوق كل شيئ السعادة النفسية بالإيمان الصحيح والعمل الصالح في جو من الحرية والكرامة والعزة .
ومن هذا المفهوم القويم السليم نستطيع أن نقون إن الجهاد الذي يطلب الإسلام من المسلمين أن يضطلعوا به إنما هو جهاد البناء ويتحقق هذا الجهاد الإسلامي بتحول الإنسان من حالة الركود وعمله من حالة الكسل وإحياء القيم الإنسانية وبنشر المبادئ النبيلة بين الناس وأن هذا الجهاد يتطلب من المجاهد أن يبذل الجهد وأن يقوم بالسعي وأن ينفق المال ، ومن ناحية أخرى يقتضي الجهاد الإسلامي الذي يستهدف البناء والتعمير أن يرد العدوان ويقمع الظلم ويقطع أسباب الفساد وأما هذا النوع من أساليب الجهاد وإن كانت في ظاهرها يبدو هدما أو سلبا أو إعداما لبعض الأشياء فإنه في الحقيقة وفي نهاية المطاف يهدف إلى تحقيق الهدف البنائي والإيجابي لأن علاج الأمراض يتم بطريق إيصال الأدوية وتقوية الأعضاء وبطريق قطع الأعضاء الفاسدة والعمليات الجراحية لسلامة سائر الأعضاء وتحقيق الصحة العامة .