الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 7-ديسمبر -1986 م
لقد تطرق علماء الأخلاق وعلم النفس وكذلك علماء العلاقات الإنسانية وعلماء التصوف إلى وضع عدة تعريفات وصفات متميزة لمصطلح “الأخلاق” ، تفننوا في إخراج أصول وقواعد لها ، واستنبطوا مناهج وبرامج لتعليمها ونشرها بشتى الطرق ، وأما الإسلام فإنما هو نظام كوني إلهي جاء لتنظيم العلاقات بين الإنسان وخالقه وبينه وبين بني جنسه وكذلك لتنظيم علاقاته مع الكائنات كلها لأن الإنسان كائن ممتاز له ارتباط وصلة بكل جزء من الكائنات العلوية والسفلية ، مثل السماوات والكواكب والنجوم والأجرام السماوية كلها والأرض وما فيها من جبال وأنهار وبحار وأشجار ، والكائنات الحية فيها جميعا ، وكذلك له ارتباط وثيق بالكائنات ذوات الروح والعقل مثل الملائكة والجن وغيرها ، ومن هنا صار الإنسان أكمل المخلوقات وأفضلها وأشملها حقوقا وواجبات وحركات ومسؤوليات فصار بهذه الميزات كلها حاملا لأمانة لم يستطع غيره من حملها فيقول القرآن مشيرا إلى هذه الميزة الكبرى للإنسان :”إنا عرضنا الأمانة على السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان” (الأحزاب : 27) .
وينبغي لكل باحث ودارس عن ماهية الأخلاق معناها وفحواها وصفاتها وملامحها أن يمعن النظر في أصلها أولا ثم اصطلاحيا وشرعيا فأما من حيث اللغة فإن المادة المشتقة منها كل صيغة من صيغ الأخلاق فهي مادة : “خلق” وذلك للارتباط الوثيق الأصيل بين الخلق “بفتح الخاء” والخلق “بضمها” وكذلك بين الأخلاق والخلائق فإن كلا منها يؤدي المعنى الفطري بين المخلوق وأخلاقه ، لأن كل مخلوق له أخلاقه المميزة التي يتميز بها عن الأخرى وهي صفاتها الذاتية الخاصة فإذا كان الإنسان أفضل المخلوقات وأشرفها فلا بد من أن تكون أخلاقه المميزة أفضل الأخلاق وأكرمها ومن هذا المنطق والفهم السليمين ينبغي أن تكون أخلاق المسلمين المؤمنين سيد الأخلاق وخيرها لأن أمة الإسلام – كما هو مفروض ومطلوب وموصوف من رب العالمين – خير أمة أخرجت للناس – فيكون كل فرد منها بحكم مقتضى العقل والمنطق ، خير فرد في جميع مرافق الحياة البشرية وأن المظهر الأول الجلي لخيرية الأفراد والجماعات في حكم العقل والفطرة والخبرة البشرية إنما هو حسن المعاملة وحسن الأخلاق وحسن العلاقات ، ولهذه الأسباب كلها قد وصف القرآن خير الخلق وخاتم الأنبياء والرسل بخير الأوصاف قال مخاطبا له : “وإنك لعلى حلق عظيم ” (القلم : 4) . وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هاديا ومرشدا : “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا”(رواه الترمذي) . ثم قال :”إن خياركم أحسنكم أخلاقا” (متفق عليه) .
وقد تبين من البيان المذكور أن خيرية أمة الإسلام لن تتحقق إلا بحسن الخلق الذي يتمسك به كل مسلم في حياته . وبين الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ثلاث ملامح رئيسية لمحاسن الأخلاق لتكون أمته على بينة منها ولئلا تضل أو تتردى في غياهب الجهل أو الفوضى فأولها : بسط الوجه وطلاقته وعدم الظهور أمام الناس بوجه عبوس وخد مصعر فقال : “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق” (مسلم) . وخير ما نصح لقمان الحكيم ابنه من محاسن الأخلاق : “ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا” (لقمان : 18) وأن التصعير هو إمالة خده عن النظر إلى الناس تهاونا وكبرا
وثانيا : طيب الكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “الكلمة الطيبة صدقة” (متفق عليه) . وقال رب العزة في محكم كتابه مخاطبا نبيه الكريم : “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” (آل عمران : 159) . وثالثها : كف الأذى قولا وفعلا وخاصة الكف عن الفحش والبذاءة في الكلام ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم :”ليس المؤمن الطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي” (رواه الترمذي) وقا أيضا :” ما كان الفحش في شيئ إلا شانه وما كان الحياء في شيئ إلا زانه” (الترمذي) . وهذه ملامح أساسية للأخلاق الإسلامية من سيرة سيد البشرية .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” (الأحزاب : 21) .
من الهدي النبوي
“ما من مسلم من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا” (رواه أبو داود) .
من الأدعية المأثورة
“من قال لا إله إلا الله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيئ قدير ، عشر مرات ، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل” ( متفق عليه).