الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 26-نوفمبر -1986 م
إن الإنسان يتكون من عنصرين أساسين وكل منهما جزء لا يتجزأ من كيانه ومقوماته ، بمعنى أن الكائن الإنسان إذا فقد أحد هذين العنصرين الأساسين فقد خاصيته الإنسانية ويصبح – بحكم القوانين الفطرية والنواميس الطبيعية والأحكام الكونية – في دائرة الكائن المحتفظ بأحد هذين العنصرين فقط ، وهذان العنصران هما الروح والمادة ، ولا وجود للإنسان الحقيقي بتعريفه الكامل إلا باستيفاء جميع المقومات الروحية والمقومات المادية ، وقد منح خالق الكون والكائنات ومدبر شؤونها ومنظم أمورها خصائص ومميزات لعنصر الروح وعنصر المادة .
فإذا افتقد أي فرد من النوع الإنساني خصائصه المادية فيفقد استحقاقه وأهليته لأن يبقى ويعيش في عالم المادة وينتقل منه إلى عالم آخر وكذلك إذا افتقد وتجرد من خصائصه الروحية فلا يكون له نصيب في عالم الروح والروحانيات وينحدر إلى عالم المادة والماديات المحضة ، وبالتالي يفقد ، في كلتا الحالتين ، خاصية الإنسان الكامل المتميز بعنصريه .
وإذا كان الإنسان كائنا متميزا بعنصريه – الروحي والمادي – فلا بد أن يكون هناك توافق وتناسب وتناسق بين مواصفات كل منهما بدون أن يتعدى عنصر على آخر وعبث يؤدي مهماته وواجباته الفطرية .
وقد وضع الإسلام المنزل من رب العالمين كنظام رباني عالمي ، لتربية الإنسان على مبادئ فطرية سليمة ، منهجا متكاملا ومتوازنا لتنظيم حياته في جميع المجالات وفي كل الظروف والبيئات ، ويقوم هذا المنهج القويم على تطبيق روحانية واعية ومادية صاحية في معاملاته اليومية قلبا وقولا وعملا أي تناقض وتصادم وتنافر وتجاوز في مهمات كل من النزعات الروحية والنزعات المادية ، وإنما يتم هذا التزازن بإعطاء المتطلبات الروحية حقوقها العادلة المتوازنة وبإعطاء المتطلبات المادية حقوقها كذلك . وبالتطرف في الناحية الروحية تطغى وتتعدى على اللجوانب المادية فتثور ويفقد الإنسان التوازن ، وكذلك إذا حصل تفريط في الناحية المادية فتثور وتفقد خصائصها وصلاحيتها للتعايش مع قسيمها الروحي ، وبالتالي يفقد الإنسان بنفسه المواصفات اللازمة لحياة سليمة ومتوازنة ومستقيمة فيشقى فيها في كلتا الدارين أو إحداهما .
ولهداية الإنسان العاقل الواعي إلى هذا المنهج السليم القويم الذي يؤهله لحياة آمنة مطمئنة وراضية مرضية وهادئة وسعيدة ف الدارين ، ولتنبيهه إلى التصور العام لهذا المنهج وإلى خطوطه العريضة يقول القرآن الكريم الذي هو المصدر والمنبع المرجع لذلك المنهج الفطري : “وبدأ خلق الإنسان من طين ثم دعل نسله منه سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون” (السجدة : 9) . ويقول أيضا : “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” (الشمس : 10) . ثم يقول : “ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا” (القصص : 77) . وقد أشار القرآن إلى هذا التوازن الدقيق في نصيب الإنسان في مكاسبه الروحية والمادية في الحياتين : “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” . وهذا التوازن الواعي بين مقومات الروح ومقومات المادة في كيان الأنبياء ، والتوفيق بين للمطالب الروحية والمطلب المادية إنما هو معيار الفلاح والنجاة والسعادة للإنسان ، في منظور المنهج الإسلامي ومفهومه وأن أي انحياز إلى عنصر دون آخر يخل بميزان الاعتدال في فطرته ويؤثر في استقرار حياته ، فلا روحانية جارفة في المنهج الإسلامي ولا مادية وارفة ! .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان” (الرحمن : 8) .
من الهدي النبوي
“إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده” (رواه الترمذي) .
من الأدعية المأثورة
“اللهم أعنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى” .