الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 25-نوفمبر -1986 م
إن العلم هو أول أشار إليه أول وحي نزل على أفضل الأنبياء والرسل كما أنه أول أمر فصل الله به آدم وكرم نبيه وبفضله العلم أيضا جعل رب العزة ملئكته الكرام يسجدون لآدم وبعد هذه الميزات التي منحها خالق البشر والقوى للعلم والعلماء ،خاطب الإنسان بتكليف الإيمان فقال : “فاعلم أنه لا إله إلا الله ” (محمد : 19) . وهذا الخطاب بتكليف الإيمان بوحدانية الله تعالى قد بدأه بالعلم وهو مقدم على الإيمان ذاته ومصور له ، وإلى هذه الميزة الكبرى للعلم والعلماء أشار القرآن بنص صريح : “إنما يخشى الله من عباده العلماء” (فاطر : 28) فهنا أيضا يأتي العلم مقدما على خشية الله كما هو واضح من سياق الآية .
وإذا نظرنا إلى بداية الوحي بالعلم ووسائل وعلاقته بالإيمان نرى أن الآيات الخمس الأولى التي نزلت على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تفيد أن العلم مصدر الهدية والإيمان وهو الذي يوصل إلى الصراط المستقيم فيقول الوحي الأول : “اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ” (العلق 1-5) . إن القرآن الذي هو مصدر الهداية والإرشاد للبشرية كلها ، قج تناول منذ أول لحظة من نزوله مسائل العلم وأشار إلى وسيلتين أساسيتين ورئيسيتين لتحصيل العلم ونشره وهما القراءة والكتابة ، وإذا كانت القراءة تتحقق بالسماع والتعليم فإن الكتابة لا تتحقق إلا بالقلم ولهذا أشارت الآية إلى القلم بصفة خاصة ، وجدير بالذكر كذلك أن السورة التي نزلت بعد العلق هب سورة “القلم” وبدأن بقوله تعالى : “ن والقلم وما يسطرون” .
وهكذا بدأت الرسالة الإلهية منذ اللحظة الأولى لنزولها على خاتم الأنبياء بذكر العلم ووسائله ، قبل الإيمان ودلائله كان العلم الحقيقي هو الذي يؤدي إلى الإيمان العميق المصحوب بالخشوع ، والخشية والخضوع والنية الصادقة ، وأن المعرفة لحقائق الكون وما يستدل بها على عظمة خالقه ومدبره وحافظه ومنظمه بميزان دقيق تؤدي حتما كل قلب سليم وضمير واع إلى توجيه القوة النظرية والقوة العملية في الإنسان إلى الإيمان بالخالق وعبادته وحده لأنه خالق الإنسان وعلمه البيان .
وقد سمى القرآن الوحي نفسه “علما” إذ قال : “ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم” (البقرة : 32) . ومن الآيات التي ورد فيها ذكر العلم مقدما على الإيمان ومصدرا له (1) “والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا” (آل عمران : 7) . (2) “وقال الذبن أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون” (الروم : 50) . (3) ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق” (سبأ : 6) . (4) “شهد الله أنه لا إله إلا هو الملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم” (آل عمران : 18) .
وهكذا نرى القرآن يجمع ويقرن ويربط بين العلم والإيمان كجوهر أساسي للرسالة الإلهية الخالدة لأن معرفة حقائق الكون وأسرار النفس وآيات الأرض والنظام الموجه لهذه الكائنات كلها وعلاقتها بالإنسان حيث سخرها كلها له ، تهدي الإنسان إلى الإيمان الكامل البين الراسخ في القلب الذي هو موجه الجوارح والأعضاء والأساس للأقوال والأعمال فإذا تمكن الصحيح في ذلك القلب ستكون الأقوال والأعمال الصادرة منه وبإيعاز وإلهام وإرشاد منه صحيحة أيضا وسديدة ومن هذا المنطلق ربط القرآن العمل الصالح بالإيمان فقال : “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات” في عدة آيات .
وقال أيضا : “ومن يعمل صالحا وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما” (طه : 11) فكما أقام الإسلام الإيمان الثابت على العلم الراسخ ، أقام العمل الصالح على الإيمان الصحيح ، وبهذه القواعد الثلاث – العلم والإيمان والعمل – يقوم ويرتفع ، ويدوم ويرتقي، صرح المجتمع الإسلامي المزدهر .