الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 29-يونيو-1986 م
إن دور المرأة في بناء المجتمع وإصلاحه وتقويته في نظر الإسلام ليس أقل من دور الرجل ، ولكن المعيار الوحيد فيه هو مراعاة الفوارق الطبيعية والفطرية بين الرجال والنساء في المقومات الإنسانية والقدرات المادية ، وإن الإسلام يهدف إلى النظام والإيجابية ولا يرضى بالفوضى والسلبية في معالجة الأمور كلها ، فعلى سبيل المثال : لقد منع الإسلام التبرج والسفور والاختلاط بين الجنسين بدون ضوابط وقيود ، من أجل منع الفوضى والانحلال والانحراف والميوعة في أخلاق المجتمع فإذا تسربت هذه العوامل إلى صفوف المجتمع في أي بلد أو بيئة ينهار كيانه ويضعف بنيانه ، وتتبعثر أوصاله وتذهب ريحه وتفشل مهمته في معترك الحياة ، ومن هذا المنطلق قد ألقى الإسلام مسؤوليات كبرى هامة على كواهل النساء في مجال إصلاح المجتمع وتربية الجيل الجديد الذي هو قوام الأمة والوطن في كل مكان وزمان .
ضرورة صيانة الأعراض والأخلاق
لقد وضع الإسلام ضوابط وآدابا خاصة لصيانة الأعراض ولحفظ الأخلاق الفاضلة بين الأفراد والجماعات من كلا الجنسين ، وبفضل التمسك بهذه الضوابط يستطيع كل منهما التفرغ لأداء مهماته ومسؤولياته في إصلاح المجتمع وتنميته ، ويقول القرآن مشيرا إلى بعض هذه الضوابط والآداب العامة : “قل للمؤمنين يضغوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهم إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا لعلكم تفلحون” (النور) ، وقد حرم الإسلام على الرجال الاختلاط المشبوه مع الأجنبيات إلا عند الضرورة الشرعية (كما هو مبين في كتب الفقه الإسلامي) كما حرم على النساء التبرج والسفور والاختلاط المشبوه مع الأجانب ، ليفرغ كل لعمله المخصوص له ، ويستقر في مكانه المعين له ، ولأداء مهمته الخاة به ، وبهذا يتم الأمن وتجري الوظائف والمهمات – في الداخل والخارج – في استقرار وهدوء ويحول دون انتشار الفوضى والاستهتار في المجتمع .
أثر التربية الاجتماعية المناسبة
ومما لا شك فيه أن القوة الجاذبية والرغبة الجنسية بين عنصري البشر – الرجل والمرأة – من النواميس الطبيعية ، ومن الطبيعي أيضا انتشار الفوضى الخلقية والانحلال العائلي والانحطاط الثقافي حين ينتشر الاختلاط غير المشروع وبلا نظام ورادع بين الرجال والنساء ، وخاصة في المجتمع الذي لم يصل فيه مستوى التربية الأخلاقية والثقافية إلى حد الانضباط والانتظام المطلوبين عقلا وشرعا ، ولهذا حرم الإسلام على الجنسين الاختلاط غير المشروع ، لئلا يؤدي إلى الاعوجاج الخلقي والفساد الاجتماعي .
وأما التربية الصحيحة في المنزل وفي المدرسة وفي المحيط الذي يعيش فيه الشباب ، رجالا ونساء ، سواء في المصالح والمصانع والمزارع والمكاتب ، في حالة اشتغال كلا الجنسين في النطاق المسموح لكل منهما بحكم الطبيعة والقانون ، فتلعب دورا هاما وإيجابيا في تنظيم دوائر اختصاص كل منهما ، والحدود التي تحفظ لهما الكرامة والعزة والأخلاق ، حيث يتفرغ الجميع كل في دائرة تخصصه بدون إفراط وتفريط ، وبلا طيش وفوضى ، ومن بواعث التربية الصحيحة لخلق جيل صالح وبناء مجتمع صالح ، تجنب الفوضى في القيام بوظائف خاصة وعامة ، فعلى سبيل المثال فإن تربية الرجال على التدابير المنزلية والعائلية وتمريض المرضى ، بينما تتمرن النساء على الأعمال خارج المنزل من التدريب على أسلحة الحرب وصيانة الآلات الثقيلة وبناء الكباري والمباني وغيرها فإن هذه النظرية هي عين الفوضى الفكرية والعرقلية المهنية ، ولكن المطلوب عقلا وعلما وواقعا – وهو بعينه نظام الإسلام – هو تربية العنصرين كل فيما يخصه من المجالات المناسبة .