الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 28-يونيو-1986 م
يوجه الإسلام لى كافة البشر لا إلى جنس خاص أو طائفة خاصة أو لبلد معينة ، ويقول القرآن موضحا طبيعة الرسالة الإسلامية التي جاء به خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قل يا أيها الناس “إني رسول الله إليكم جميعا” ، وهذه الميزة الكبرى للنظام الإسلامي تشير إلى الوحدة الإنسانية المتكاملة فقال القرآن : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ، وأن هذه العقيدة الإنسانية المتكاملة المبنية على أساس التوحيد بالله في ربوبيته وألوهيته وصفاته ، بل التوحيد في العقائد والعبادات وأصول جميع الأديان السماوية والأنبياء والرسل ، كما أشار إليه اقرآن الحكيم : “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون” (آل عمران : 64) .
ضرورة الإيمان لجميع الأنبياء والرسل
وتدل مصادر الإسلام كلها على ضرورة الإيمان بكل رسول ونبي من آدم إلى محمد خاتم رسل الله عليه وعلى سائر الأنبياء السلام .
وكذلك تدعو إلى الإيمان بأن الإسلام دين فطرة شامل لأصول جميع الأديان السابقة عليه والكتب المنزلة من الله ، وهذه النظم أو الفكرة تؤدي إلى التعاون والتعارف والتضامن بين الإنسانية كلها في جميع العصور حتى تؤدي تلك النظرية الشاملة إلى وحدة إنسانية تحت راية العدالة والمصالح العامة ، ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مؤكدا وموضحا هذه العقيدة الإسلامية : “الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى” فلا فرق تحت راية الإسلام ، في إقامة العدل التام وإقرار الأمن والطمأنينة وفي نشر العلم والثقافات ومنع الظلم والاعتداءات على النفس والمال والعرض بين شخص يعتنق تعاليم الإسلام الخاصة ، وبين من يعتنق دينا آخر ، وأن تحقيق الوحدة الإنسانية مع الأمن والطمأنينة والرفاهية في ربوع العالم كله من أهم الأهداف المنشودة من تعاليم الإسلام لأنه ينظر إلى كل إنسان قبل كل الاعتبارات من حيث أنه إنسان فقط لأن الإنسانية فوق كل اعتبار في نظر الإسلام ، بل الإنسانية الحقيقية التي فطر الناس عليها هي الإسلام الحق الصحيح وعلى هذا المبدأ يجب أن نفهم قول خالق البشر : “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ” .
لا إكراه ولا إغراء في الإسلام
إن وظيفة القرآن في البشر إنما هي رسم أقرب الطرق إلى الهداية وحفظ البشرية من مواطن الهلاك وهو يكفل الاستقلال لكل شخص في عقله وفكره وعمله كما يضمن له حرية العقيدة والعمل به فأعلن وبكل صراحة ووضوح : “لا إكراه في الدين” لأن الدين والإيمان والإذعان محله القلب ، فلا معنى للطاعة خوفا من قوة الإجبار أو الإكراه بدون قناعة ضمير ونية قلب ، فإذا دخل شخص ما دين الإسلام تحت الإكراه أو الإغراء بدون قناعة وفهم فيكون وبالا على المجتمع الإسلامي بل وخطر عليه من الداخل لأنه يبقي عضوا متمردا وفاسدا ولا يقوم الصف ولا يتوطن به كيان الأمة ، ومن هنا يحارب الإسلام القهر والقسر والإكراه والإغراء والإجبار في شؤون العقيدة والديانة لأن مهمة الإسلام إنارة الطريق أمام البشر وأما هدا يتهم فهي من اختصاص رب القلوب حيث قال مخاطبا نبيه الكريم : “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” وقال أيضا : “فذكر إنما أنت مذكر ليس عليهم بمسيطر” .
امتهان الديانات الأخرى محظور في الإسلام
إن القرآن الكريم قد منع منعا باتا امتهان الديانات الأخرى وأصحابها ومعبوداتهم وزعمائهم وسب معتقداتهم مهما كانت فاسدة وبالية فقال تعالى هاديا ومرشدا : “ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله عدوا بغير علم” ، ولكن المنهاج الإسلامي الصحيح في المعاملة مع هؤلاء وأولئك إنما هو إرشاده عز وجل “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” ، وجدير بالذكر أيضا أن الأفضل بل الأوجب اختيار الأسلوب “الحسن” بمعنى أن المسلم إذا وجد أمامه أسلوبين في دعوة الناس إلى الإسلام أي “الحسن” و”الأحسن” فعليه اختيار الأحسن فما بال استخدام الأساليب السيئة والألفاظ البذئية والجدال العنيف ووسائل الشدة والتهديد والتخويف ، فكل هذا أو ذاك خارج عن حدود سماحة الإسلام وأساليب دعوته .