الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 22-يونيو-1986 م
لقد أعلن القرآن الكريم في عدة آيات منه أن المؤمنين الصادقين هم الذين يفهمون لفطرة الله التي فطر الناس عليها وينتهجون المنهج الفطري في حياتهم ويفهمون كذلك سنن الله تعالى في خلقه وكونه لأنه قد جعل لكل شيئ قدرا ووضع الميزان لكل الأمور وقال : “الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان” (الرحمن : 5-9) . والمطلوب من المؤمن العاقل أن يتبع النظام والتوازن في جميع مرافق الحياة البشرية بدون إفراط وتفريط ، وهذا هو الصراط المستقيم والخط الوسط الذي هو الأقرب والأقصر للوصول إلى الهدف المنشود ، وأما الانحراف عن الخط الوسط المتوازن فيؤدي صاحبه إلى الوقوع في طريق منحرف ويعوقه عن التوصل إلى الغاية المطلوبة ومن هنا جاءت دعوة الإسلام إلى وجوب الأخذ بالحذر والحيطة في شؤون المؤمن كلها فيقول القرآن الكريم : “يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم” ، وأن القرآن الكريم قد أكد على ضرورة التزام المؤمنين بالعدل في كل شيئ أي عدم الخروج عن جادة الطريق والانحراف إلى أحد طرفي نقيض من إفراط وتفريط أو تقصير أو تشديد وقال الله سبحانه وتعالى في وصف المؤمنين الصادقين : “وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ” (الأعراف : 181) ، وقال أيضا : “هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم” (النحل : 76) ، ثم أمر المسلمين جميعا بالأخذ بمبادئ العدل والقسط في المعاملات الإنسانية كلها فقال : “إن الله يأمر بالعدل والإحسان” (النحل : 90) ، وقال :”فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ” (الحجرات : 9) .
الفرق بين العاقل والجاهل
إن العاقل يعرف قبل وقوعه فيأخذ الحيطة والحذر قبل وقوع المكروح وأما الجاهل فلا يحس به إلا بعد وقوع المكروه والمطلوب من المؤمن العاقل أن يبتعد عن حركات التطرف والطيش وقصر النظر وعليه ان يأخذ بأسباب الحذر واليقظة ، والحذر للمسلمين دائما ليكونوا على دراية وبينه من مكائد الأعداء ، ومن هذه الشواهد ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه سلم وصحبه الكرام ، يوم كانوا في مكة قبل الهجرة حيث كانوا حينذاك يذهبون للصلاة إلى الشعاب فاسنخفوا بصلاتهم من قومهم خوفا للفتنة ، ومنها أيضا وسائل الحيطة والحذر التي اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم في واقعة الهجرة وذهابه إلى غار حراء بجبل ثور ، وأمره لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه للنوم على فراشه صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ، وتغيير خط السير المعتاد إلى المدينة وما إلى ذلك من وسائل الحذر واليقظة والحيطة من أجل إنجاح خطته في الدعوة وتبليغها إلى الناس وإنقاذ نفسه هو وأتباعه من مكائد وشرور الأعداء ، وأن الأوامر القرآنية صريحه في منع التعرض للمخاطر عمدا أو بلا جدوى فقال القرآن : “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” وأن ترك الحذر والتهور في الأمور قد يفضي إلى إلقاء النفس إلى التهلكة وهو أمر يجوز في الإٍسلام ، مع إمكان الاحتراز والاتخاذ بأسباب النجاة من للهلاك لن الغاية المنشودة هي تحقيق الفوز والنجاح للمبادئ والأهداف وليست مجرد تعريض النفس للهلاك وتحمل المشقات وإهدار الأرواح وإتلاف الأموال والأنفس ، وأن ترك الحذر والابتعاد عن اليقظة والحيطة قد يفوت على العاملين في مجال خدمة دعوة الإسلام وإصلاح المجتمع ، وخدمة الوطن والمواطنين ، فرص النجاح وتحقيق الآمال ، وبالطيش وبالتطرف أو التهور تصاب الدعوة بالنكسة وتساء سمعة الدعاة وتتهم وسائلها وتضعف قدرتها للصمود أما الطغاة والمعارضين .
وأن دفع البلاء بحكمة وكياسة وفطنة في الشريعة الإسلامية وأن تسليم المسلم نفسه للأذى والضرر حيث يمكنه الخلاص منه ليس بالأمر المشروع في الإسلام ، فأمر الرسول صلى الله عليه سلم وأصحابه اتخذوا كل التدابير لتفادي أذى الأعداء وبطشهم .