الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 14-مايو-1986 م
إن شهر رمضان قد أكد بطريقة إيجابية وعملية الدرس الوحدوي ، وبعبارة أخرى قد ساهم مساهمة فعالة هامة والإعداد الوحدوي لأمة الإسلام في أرجاء العالم حيث استقبل المسلمون أيام الصيام في شهر واحد ، وقاموا بصيامه وقيامه في وقت واحد ، وتناولوا الإفطار والسحور في نظام واحد وفي موعد واحد وبنية واحدة ، كما أنهم احتفلوا بالعيد في وقت واحد وأخرجوا زكاته وطريقة واحدة ، وفوق هذه المظاهر التعبدية كلها قد تميز رمضان بملامح جدابة في الوحدة العائلية التي لا يوجد لها مثيل في بقية المناسبات إذ كان أفراد الأسرة يجتمعون جميعا حول مائدة الإفطار والسحور ليتناولوا وجباته في وقت واحد ، وفي جو من المودة والأخوة والتعاطف والحنان ، بنفوس صافية وقلوب متوجهة إلى الله تعالى بفرح وسرور وبهجة ونشاط بغاية روحية ونفسية لا بغاية مادية أو مظهرية كسائر المناسبات العادية والعرفية ، ومن هذه المظهر الوحدوي يشترك الجميع بنيه أداء فريضة من أركان الإسلام الرئيسية ألا وهي صيام رمضان ، وصار الدافع إلى هذه المظاهر الوحدوية أقوى وأوثق من الدوافع المادية الروتينية ، ومن هنا أصبح هذا الدرس الرمضاني دعوة واضحة وعميقة المغزي إلى وحدة الهدف ووحدة الكلمة ووحدة الصف بين المسلمين .
رمضان سد باب الفرقة
إن درس الوحدة في مظاهر العبادات وفي المظاهر الاجتماعية بين الأفراد والجماعات ، يعطي قاعدة صلبة لبناء الوحدة المتكاملة بين مختلف الجماعات والطبقات في صف الأمة الواحدة بجميع أشكالها وشتى اعتباراتها كما صرح به القرآن الكريم : ” إنما المؤمنون إخوة” (الحجرات) ، وأيضا قال : “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ” (التوبة : 71) ، ويفهم من هاتين الآيتين أن الوحدة الاجتماعية التي أقامها الإسلام إنما هي على قاعدة التآخي في الله وفي الوحدة الإنسانية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كلكم من آدم وآدم من تراب” وذلك مصداقاا لإرشاده تعالى : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمإن الله عليم خبير” (الحجرات : 13) .
وهكذا سد رمضان بدرسه الوحدوي وإعداده الفكري للوحدة على الاعتبارات العنصرية أو الطائفية أو المذهبية ، وقد حافظ الإسلام على وحدة الهدف بتوحيد العقيدة وبتوحيد مظاهر العبادات وأهدافها وبتوحيد ملامح الحياة الاجتماعية ، وأن مظاهر الوحدة التي رأيناها في عبادة الصيام خلال شهر رمضان إنما هي دعوة صريحة إلى حفظ الوحدة في الجماعة وفي جميع أوصال الأمة ، وإذا فهمنا هذا الجانب من مغزى شهر رمضان فيسهل علينا فهم اختياره سبحاته وتعالى موسما سنويا لذكرى نزول القرآن “هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” لأن هذا الشهر يحمل في كل عام إلى أمة الإسلام عبرا وذكريات تحثهم على التمسك برسالة القرآن الذي هو الدستور الخالد للإنسانية كلها لكي تنتظم الحياة تحت نظام إلهي وبموجب فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وعندما تعود الإنسانية إلى دستور رب العالمين وإلى القوانين الفطرية السلمية تتلاشى بواعث الفرقة والتناحر والتحارب بين بني آدم .
مغزى المشاركة الجماعية في العبادة
إن الإسلام قد أعطى أهمية خاصة للمشاكرة الجماعية في العبادات مثل الصلوات الخمس والصيام في رمضانوالحج وغيره ، وإن هذه المشاركة ما جاءت مصادفة أو مشار كة بل هي مقصوده بذاتها ولها غاياتها السامية وأهدافها النبيلة ولتثبيت هذه الميزة الكبرى الاجتماعية من العبادات وجه القرآن الكريم آيات تشريع العبادات كلها بنداء جماعي وبصيغة الجمع حيث تنم منها روح الإسلام الجماعية فقال في شأن أداء الصلاة : “يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم” (الحج : 77) ، وقال في شرعية الصيام : “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ” (البقرة : 183) ، وقال في الإنفاق في سبيل الله : “يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم” (البقرة : 253) ، فشهر رمضان يذكر المؤمنين برسالة الإسلام الإناسانية الوحدوية في هذه الفترة التي طغت فيها الفرقة في كل مكان .