الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 3-مايو-1986 م
ذا أراد باحث منصف ودارس محقق وقد أزال عن بصره الغشاوة وعن ذهنه التعصب والعناد ، وأن يعرف حقيقة الرسالة الإسلامية وطبيعة مبادئها السامية وتعاليمها الفطرية الإنسانية فعليه أن يدرك جيدا مغزى وفحوى الآيتين الكريمتين اللتين يوضح فيهما رب العالمين غرض بعثة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام إلى كافة الناس فالآية الأولى قوله تعالى : “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون” (سبأ : 28) . والآية الثانية قوله عز وجل : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) .
ويتبين أن هاتين الآيتين أن رسالة الإسلام التي بعث الله تعالى بها سيد المرسلين هي رسالة الهداية لكافة الناس وإنما تتحقق هذه الهداية عن طريق التبشير بالخير والإنذار عن الشر وبعبارة أخرى بتبصيرهم سبل الرشاد وسبل الضلال ثم يبين لهم الفوائد التي يجنيها الإنسان باتباع سبيل الرشاد والإضرار التي تصيبه باتباع سبيل الضلال .
نور الحياة وظلال الموت
ومن المعلوم فطريا ومنطقيا أن الحياة والنور متلازمان كما أن الموت والظلام متلازمان تقريبا لأن المولود حينما يأتي إلى حياة الدنيا يخرج من ظلام بطن أمه إلى نور الوجود وعندما يموت يعود إلى ظلام القبر وهكذا ترتبط الحياة بالنور والموت بالظلام ، حقيقة ومجازا ، ومن هنا نفهم وجه الشبه بين وصفه تعالى دعوة الإسلام بأنها : “نور وكتاب مبين” وهي تخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وبين وصفه إياها أيضا بأنها حياة وبقاء ورحمة إذ قال : “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذ دعاكم لما يحييكم” (الأنفال : 24) .
وقد أوضح دستور الإسلام القرآن الكريم بكل صراحة ووضوح أن دعوته دعوة النور والهداية والحياة فكل من لا يمشي في النور يضل عن الطريق القويم فيهوي في غياهب الظلام والضلال والهلاك فجاءت رسالة الإسلام رحمة للعالمين من رب العالمين وأما الذي يؤ
من بهذه الرسالة الإلهية الخالدة يخرج من ظلمات الجهالة والحيرة والفوضى ويتجه إلى رحابة الإيمان والإخلاص وصفاء القلب ونقاء الذهن وحسن السيرة ويرى النور أمام طريقه في كل الخطوات ويتفاد ظلام الضلال والشك والارتياب ويعيش ثابت الإيمان ومطمئن القلب .
رسالة الإيثار والمواساة
وقد اكد القرآن الكريم أن رسالة الإسلام هي رسالة البشارة والهداية والرحمة كما هو واضح من نصوص الآيات المذكورة ولن تتحقق روح الرحمة سواء في الأفراد والجماعات إلا إذا لم تتصف حياتهم بخصلة الإيثار والمواساة لأن الإيثار من أهم صفات المؤمنين عند الله تعالى وعند رسوله فقال عز وجل : “ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” (الحشر : 9) ، ثم قال : “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا” (الدهر : 8) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مثل اللمؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه) ، ثم قال : “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” (متفق عليه) ، وقد أكد هذه المعاني النبيلة فقال : ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (متفق عليه) ، وفي ضوء الإرشادات القرآنية والتعليمات النبوية يجب أن يكون كل مسلم مصدر خير ورحمة وطمأنينة للبشرية جمعاء لأن الإسلام دين الأمن والسلام ودين الخير والرحمة لأنه جاء هدى للناس ورحمة للعالمين ، فكيف يموج في بحر الظلال بالتناقضات بأيدي أبنائه المنتسبين إليه ؟
إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان !
وأما الآيات والأحاديث الدالة على اهتمام الإسلام بضرورة كون كل إنسان ينتمي إليه ، حقا وإيمانا نموذجا وقدوة حسنة في جميع مجالات جلب الخير للبشرية عامة ودفع الشر عنها كلية ، ومنها قوله تعالى : “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” (الزلزلة : 8) .
ومن أقواله عليه الصلاة والسلام : “الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” (متفق عليه) .