الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء -29-أبريل-1986 م
لقد ورد إلى قسم القضايا الإسلامية بالجريدة بعض الاستفسارات من قرائنا الكرام ، عن عدد من مصارف الزكاة الواردة في القرآن ، وخاصة عن : “المؤلفة قلوبهم” و “الغارمين” و”العاملين عليها” وتعميما للفائدة واستيعابا للموضوع ، نقدم هنا بحثا موجزا وجوابا مختصرا ، أملين من الأخوة السائلين أن يوجهوا أي سؤال أو استفسار عن أي موضوع يعي لهم من القضايا الإسلامية التي تهم مصالح المسلمين وتخدم قضاياهم والله ولي التوفيق .
إن القرآن الكريم قد حدد ثمانية مصارف للزكاة بصفة عامة وبدأها بقوله تعالى “إنما” التي تدل على الحصر بمعنى أن مصارف الزكاة لا تخرج عن هذه الثمانية ، فقال :”إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم” (التوبة : 60) .
وأما الفقراء والمساكين فأمر معروف مع اختلاف بسيط بين الفقهاء في التعريف الدقيق للفرق بين الفقير والمساكين وبمعنى آخر بين الفقر والمسكنة فقال البعض : إن الفقير أسوأ حالا من المسكين وأن المسكين هو الذي عنده شيئ لكنه لا يكفيه والفقير هو الذي لا شيئ عنده البتة ، ويستدلون بالحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ليس المسكين ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف ، اقرؤوا إن شئتم “لا يسألون الناس إلحافا” (البقرة : 273) ” ، واستدلوا أيضا بقوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر” (الكهف : 79) ، وقال البعض عكس ذلك التعريف ولكن لا تهمنا هذه المسألة كثيرا ، وكل منهما أي الفقير والمسكين لا يجد حد الكفاية فإما لا يجد شيئا أو يجد أقل من كفايته وأما العاملون عليها فهم الذين يوظفهم إمام المسلمين أو أميرهم أو خليفتهم ، حسب الألقاب الشائعة في مختلف البيئات والظروف أو الحكومة المعنية بها ، على جمع الزكاة وتوزيعها وحراستها ولهم مقابل ذلك نظير عملهم وجهدهم من الزكاة نفسها ، وإذا كان العاملون عليها موظفين رسميين في الدولة ويتقاضون راتبا من الحكومة وكان هذا الراتب يكفيهم فلا يلحقون بالعاملين على الزكاة بصفة خاصة ، لأن الدولة أصلا هي التي تجمع الزكاة وأن هؤلاء المؤظفين هم من موظفي الدولة بصفة عامة وقد جاء مع الزكاة وتوزيعها وحراستها من ضمن توزيع الوظائف حسب الخطة العامة لتلك الدولة فلا يجوز إعطاؤهم أجراء آخر إضافيا من مال الزكاة ، وأما المصرف الرابع فهو “المؤلفة قلوبهم” وهو أنواع فمنهم الكفار الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم تأليفا لقلوبهم رغبة منه في إسلامهم ، ويجوز إعطاؤهم أيضا لتثبيتهم على الإسلام وليس شرطا أن يكونوا محتاجين لأنهم لو كانوا محتاجين فلهم سهم الفقراء والمساكين وإنما الهدف هنا تثبيتهم وإعانتهم لئلا يكونوا عرضة لإغراءات مادية من جهات أخرى ، وخاصة تشتد ضرورة تأليف قلوب أولئك الذين دخلوا في الإسلام من جديد إذا كان في ثباتهم على الإسلام نشر الدعوة الإسلامية بين الآخرين وتشويقهم على دراسة مبادئ الإسلام وإعادة النظر في الديانات والمذاهب التي يعيشون فيها ، فيجب أن يهتم المسلمون –حكومات وشعوب- بهذا السهم الرابع من المصارف الثمانية للزكاة حيث يجدون فيه خيرا كثيرا ونفعا عظيما وتجري اليوم محاربة في شتى أنحاء العالم هذا الذين يدخلون في الإسلام لمضايقتهم أو لإعادتهم أو لوضع العراقيل أمام حياتهم الهادئة المطمئنة ، وكذلك يعطي هذا السهم للمسلم الضعيف الذي يتعرض للفتن لمساعدته على الثبات وتجنبه شر الإعداد وهناك نوع آخر قلما يوجد في هذه الأيام وهو الحافز الذي يعطي لدفع شره وربما يكون ذلك سبب في إسلامه أيضا فتكون الفائدة مضاعفة : دفع الشر وجلب النفع ، وأما “في الرقاب” فتصرف في الزكاة لتلخيص الناس من العبودية والاستذلال .
من هم الغارمون ؟
الغارم في المصطلح الشرعي هو من عليه دين قد اقترضه لسد حاجة مباحة ، كالمأكل والملبس وطلب العلم وغيره من الأمور الضرورية لحد الكفاية فيجوز إعطاؤه من الزكاة لسد ذلك الدين ، وهناك شرطان أساسيان لصرف الزكاة على الغارم الذي عليه الديون وهما : أن تكون ديونه لقضاء أمر مباح وأن لا تصرف بإسراف أو تنفق في حرام .
والمراد بعبارة “في سبيل الله”
وقال جمهور الفقهاء أن المراد به الجهاد لإعلاء كلمة الله والجهاد كما يكون بالقتال قد يكون بالكلمة والدعوة والإرشاد ، وعلى هذا المعنى الشامل أن “سبيل الله” يشمل كل ما هو مساعد على إعلاء كلمة الله ونصرة دينه وبنشر دعوته من بناء المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية لتعليم الإسلام في بلاد غير إسلامية ولتثبيت المسلمين فيها ، وكذلك إرسال الدعاة والوعاظ لنشر دعوة الإسلام في أنحاء العالم ، إذا توجد هناك وسائل مادية وإمكانيات مالية غير أموال الزكاة .
ويندرج تحت هذا المصرف أيضا تموين جيش المسلمين وإعداده للدفاع عن الإسلام وأوطان المسلمين وأما ابن السبيل فهو المسافر الذي ابتعد عن وطنه في غير معصية وأصبح محتاجا إلى مال فيجب إعطاؤه من الزكاة بقدر حاجته فقط والله أعلم .