الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 27-أبريل-1986 م
لقد اختار الله سبحانه وتعالى لحكمة يعلمها المجتمع العربي الذي كان يعيش في أيام الجاهلية في تمزق وتشتت وفوضى وعقيدة وثنية وعصبية قبلية عرضة لنهب الحكام الجيران واستغلال ودهماء السلاطين من الفرس والروم والأحباش ، اختارهم مبعثا لخاتم الأنبياء والرسل ومهبطا لأكمل الرسالات السماوية وآخرها ، وأصبحوا خلال فترة وجيزة بفضل تلك الرسالة وبقيادة ذلك النبي ، خير أمة أخرجت للناس ، وأجود قوم يحمل لواء أوفع الحضارات وأنبل الثقافات وأفضل الآداب والعادات إلى قادات الدنيا ، فما هو الأكسير الذي عالجهم وشفاهم من الأمراض المدلهمة بهم منذ القرون ؟ وجعلهم أقوى الأمم وأقومها بشهادة الحق والواقع والتاريخ ؟ وما هو المصدر الذي انبثق منه كل هذه القيم والفضائل لذلك المجتمع الذي كان في الحضيض ثم ارتقى إلى القمة ؟ فما هو إلا توحيد الأهداف بتوحيد الكلمة بكلمة التوحيد ! وأن كلمة التوحيد تحقق لأصحابها وحدة الأهداف تحت مظلة الأخوة بدافع الإيمان الذي هو الرباط الوثيق بين قلوب المؤمنين وإذا حصل التقارب القلبي وتلاشي التنافس الذاتي تكون المصلحة العامة للأمة ككل فوق المصلحة الخاصة لكل حدة منها على انفراد ، فيكون المؤمنين – أفرادا وجماعات – في تراحمهم وتوادهم مثل الجسد الواحد ، وكأنهم كبنيان مرصوص يشد بعضه بعضا .
قمة الوحدة بوحدة القمة
وأشار الله سبحانه وتعالى إلى نعمة توحيد الصفوف بفضل توحيد الأهداف بواسطة كلمة التوحيد لتكون هذه الإشارة ذكرى خالدة وعبرة نافذة مدى الأيام والدهور كلما تتسرب أسباب الفرقة إلى صفوف الأمة وأفكار الجاهلية إلى عقولها : “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم وأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ” (آل عمران : 103) .
وقد أصبح العرب المسلمون جمعا واحدا وكتلة واحدة تجمعهم كلمة التوحيد وبها تحققت لهم الطاقة العالمية الشاملة ، وكلما ينطلقون من هذه الأرضية تتحقق لهم القمة الوحدوية المنشودة ، ويحذرهم ربهم من تعثر هذه القمة وأن فقدوا مقوماتها فقال : “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا” (الأنفال : 46) .
تفضيل الغايات عن المكاسب الشخصية
ومن الحقائق الثابتة التي يقرها الإسلام والمنطق السليم ، أن الغاية التي ينشد تحقيقها الإنسان هي مدار إخلاصه في اتخاذ الوسائل اللازمة لها ، وما دامت الغاية شريفة ونبيلة يحاول أن تكون الوسائل التي تتخذها لتحقيقها أيضا شريفة ونبيلة ، وإذا كانت الغاية التي ينشدها تافهة وعادية فلا يهتم بأن تكون الوسيلة التي تتبعها تافهة أو سخيفة ، ومن ناحية أخرى أن الإجراءات والخطوات التي يتخذها بعض الجماعات أو الدول إنما مجرد وسائل لتحقيق غايات خاصة وأهداف معينة ، وفي نظر الإسلام أن الوسائل أيضا يجب أن تكون عادلة وشريفة بمعنى أنه لا يجيز اتخاذ وسيلة غير عادلة وشريفة بقصد تحقيق غاية عادلة ، ومن هنا يجب أن يكون معلوما وملحوظا جدا أن الإسلام يحارب فكرة تبرير الغاية الوسيلة ، بحيث جواز اتخاذ وسائل غير شريفة واتباع طرق غير مشروعة بغية التوصل إلى غايات مشروعة ، وبالتالي فلا يجوز بحال من الأحوال أن تنقلب تلك الوسائل التي يتخذها البعض لتحقيق غايات نبيلة في سبيل المصلحة العامة إلى مكاسب شخصية بطريقة غير مشروعة وبصورة غير مباشرة .
وعندما تنتشر المداهنة والمنافقة الخرقاء والمجاملة والجوفاء بين العاملين لمصلحة الأمة أو الداعين إلى نهضتها ووحدتها ، تضعف فاعلية حركاتهم في قلوب الجماهير ، وتنكمش هيبتهم في صفوف الأعداء وتذهب شوكتهم هباء منثورا مهما تكاثر عددهم وتعاظم مجدهم في الماضي ، ومهما تشدقوا بآراء براقة ومقترحات منمقة فإن الاعتبار بالإخلاص في التطبيق ، والاهتمام بالمصالح العامة لا في التكالب على المكاسب الشخصية والتناصر على المصالح الذاتية .
وقد أشار كتاب الله العزيز الحكيم إلى أن المكانة التي منحها الله تعالى والسلطة التي وضعها في أيدي فئة من الناس ، لأمانة ومسؤولية ويترتب عليها واجبات وحقوق وإذا تساهلوا في أدائها فتسلب تلك المكانة وتلك السلطة من أيديهم وربما تنقل إلى قوم آخرين خيرا منهم أو إلى قوم شر منهم لينتقموا منهم على ما فرطوا في حقوق الله وحقوق العباد وحقوق أنفسهم فقال : ” الذين غن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور” (الحج : 41) .
ضرورة إزالة الحواجز الوهمية التي صنعها الاستعمار
وأن الحواجز الوهمية التي صنعها الاستعمار لتقسيم الأمة العربية والإسلامية وتوزيعها يمينا ويسارا قد ساهمت في تمزيق أوصال وتفريق كلمة حكامها وتشتيت أهدافها وغاياتها فيجب أن تسود الأمة العربية الإسلامية مشاعر واحدة نحو أهداف محددة مشتركة فتتحقق الوحدة على القمة ؟ .