الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 14-أبريل-1986 م
لقد جعل الله سبحانخه وتعالى التعارف بين الشعوب والأمم وبالتالي بين الأفراد والجماعات الإنسانية العديدة من أسمى أهداف الخلق وأعلى درجات الإنسانية وأرفع منازل الفطرة الأصيلة التي فطر الله الناس عليها ، وإنما تدل على هذا المفهوم العام النبيل الآية الكريمة التالية : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات : 13) .
إن هذا التعارف المطلق الخالي من اعتبارات اختلاف الجنس واللون واللغة والفوارق القبلية والقومية هو السبيل الوحيد للتعاون بين الناس على ما فيه خير البشرية كلها ، وقد أمر به رب البشر لفائدة البشر فقال : “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة : 2) .
التعارف سبيل التعاون
ولا شك ف يأن الشعوب والأمم المختلفة لن تحقق تقدمها ونهضتها وحضارتها المنشودة إلا بتعاون الأفكار العديدة والأيادي الكثيرة والخبرات المختلفة ، وأما الخطوة الأولى للوصول إلى طريق التعاون المثمر فهي توثيق عرا التعارف والتفاهم لتكون الفائدة أشمل والنفع أكمل لأن المحاولات الفردية مهما كانت لن تؤدي إلى نتائج مرموقة مثل المحاولات الجماعية المتضامنة بين عناصر شتى يكمل بعضها بعضا ز
وقد حث الإسلام على توسيع نطاق التعارف بين الناس في كل المناسبات وبكل الوسائل ، وقد جعل العبادات الكبرى كلها فرصة سانحة لإيجاد التعارف بين أفراد الأمة وطبقاتها وجماعاتها ، مثل الصلوات الخمس اليومية حيث أكد على أدائها جماعة لكي تكون فرصة سهلة وميسورة لتعارف الحاضرين فيها فيما بينهم أو لتجديد ذلك وتأكيده كما أنها تتيح للأخوة المشتركين في صلاة الجماعة تبادل الأفكار والآراء الاستفسارات عن أحوال الأقرباء والأصدقاء والجيران ، ومد يد العون والتعاون كلما تقتضي الظروف والحالات ، وأما الجمع في أيام اللجمع الأسبوعية ففرصة أوسع لجمع شمل المسلمين وتوحيد صفوفهم وسد حوائجهم حيث يتم التعارف في هذه الفرصة بين مختلف طبقات الأمة من الفقراء والأغنياء والضعفاء والزعماء والعلماء والعوام ثم يسمع الجميع إلى المواعظ والدروس لتجديد الإيمان وتزويد الأذهان بمزيد من الإيمان والمعرفة .
وإذا انتقلت إلى مجالات توزيع الزكاة سواء كانت زكاة المال أو زكاة الفطر فنجدها أيضا فرصة للتعارف بين الموسرين والمعسرين والمنفقين وذي الحاجة ، وبين العاملين فيها والقائمين بأداء شتى الوظائف الخاصة بشؤون الزكاة ، وأما توزيع أموال الزكاة بين الفئات المستحقة كما أن استخراج النصاب من الذين وجبت عليهم فريضة الزكاة فيحتاج إلى نوع آخر من التعارف بين أحوال وأوضاع مختلف فئات المسلمين في مدينة واحدة ودولة واحدة ، ولا شك أيضا في أن المعلومات الإحصائية التي تجمع وتدون لهذا الغرض سوف تساعد على توطيد أركان التعاون والتضامن بين أفراد الأمة وجماعاته في مجالات أخرى ومناسبات شتى .
وإن الصوم في رمضان هو أيضا مناسبة أخرى للتعارف بين المسلمين في أنحاء العالم بحيث يتطلع كل مسلم في هذه المناسبة منذ حلول شهر رمضان المبارك إلى معرفة عادات وأعراف إخوانه المسلمين في البلاد الأخرى سواء في الاحتفال بهذا الشهر وبعيد الفطر ومواعيد السحور والإفطار في مختلف بلاد المسلمين وبعض المظاهر والمناظر الخاصة بهذه الأيام والليالي في بلادهم ،، ومن ناحية أخرى فإن موجة من الأحااسيس والمشاعر اللروحية والأخوة الإيمانية والمودة القلبية تدب في أذهان المسلمين المنتشرين في شتى بقاع الأرض ، وتعمل هذه الموجة التلقائية لتسرى ذبذبة من الموجات الروحية اللمتكاملة في شرايين العالم الإسلامي الأوسع فهي إذن عامل آخر إيجابي لبث الشعور بضرورة التعارف فيما بينهم وبالتالي التعارف المثمر والتعاطف المجدي والتراحم المحكم .
وأما الحج فهو مظهر جي ورائع لشتى ظروف التعارف الواسع والتعرف الفعلى في أزهى مظاهره وأنبل مشاعره وأجلى صوره وتتجلى فيه مظاهر الأخوة الإسلامية الإنسانية الفطرية بكامل هيئتها وأبهى مسيرتها في مشاعر الحج كلها ، وأما الحج فهو أصدق بيان عملي لمصداق قوله تعالى : “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” .
بالتعارف تتم الألفة والمحبة
إن الغاية القصوى من الأخوة الإسلامية هي تحقيق العاطفة الإنسانية الصادقة القائمة على الألفة والمحبة والبر والخير والتقوى حتى تتحقق السعادة البشرية والطمأنينة المرضية في ظل العبودية المطلقة لله رب العالمين ، وهكذا تتجلى مظاهر الرحمة في شؤون حياة الأمة الإسلام تحقيقا وتوثيقا لغاية بعثة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حيث خاطبه سبحانه وتعالى : “وما أرسلناك إلا رحمو للعالمين” (الأنبياء : 107) .
وأن التعاون المؤدي إلى التعاون هو الذي يجمع كلمة المسلمين على طريق الرحمة والألفة والمحبة ، فكيف تعيش أمة رسول الرحمة أشداء بينهم ؟