الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 23-مارس-1986 م
لقد أخذ نظام جمع المعلومات الإحصائية جزءا هاما وحساسا لسياسة دول العالم في العصر الحديث ، وقد صار هذا النظام ظاهرة معينة في فترات معينة في كل البلاد وخاصة بين الدول ذات التخطيط الاقتصادي والتنموي ، ويتم تخطيط الإحصاء بصورة عامة بطريقتين ، إما عن طريق التعداد كالتعداد السكاني أو الصناعي أو الزراعي ، وإما عن طريق أخذ عينه إحصائيا من المجتمع وتمديد علاقته بالتنمية الاقتصادية والزراعية والصناعية وغيرها ، وأن الطريقة المتبعة الآن لجمع المعلومات الإحصائية هي إرسال العدادين الرسميين من قبل الحكومات باستمارات خاصة متعلقة بموضوع التعداد المطلوب رصده سواء في المجالات السكانية أو التنموية الاقتصادية ويقومون بجمع المعلومات والبيانات اللازمة في تلك الاستمارات وإعادتها إلى دوائر الإحصاء ، وفي بعض الدول ترسل الاستمارات بالبريد إلى الأشخاص مع التعليمات اللازمة بكيفية ملء الاستمارة .
القرآن هو أول كتاب إحصائي
وليس من المبالغة أن يقال إن القرآن هو أول كتاب إحصائي وضع للبشرية كلها ، وخير دليل على ذلك الآية القرآنية نفسها إذ جاء في القرآن : “وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين” (يس : 12) ، وأما الإحصاء القرآني فكان مدونا بالكتابة كما قضى عليه القرآن فقال : ” وكل شيئ أحصيناه كتابا ” (النبأ : 29).
وأن القرآن الكريم قد أحصى قصص الأنبياء وأحوال الشعوب والحوادث التي مرت بهم منذ بدء الخليقة حتى تاريخ نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ، لكي تكون تلك المعلومات الإحصائية نورا ونبراسا للأجيال القادمة في حياتهم ، وعبرة ودرسا لها في تخطيط حياتهم في جميع المرافق .
وقد أشار القرآن إلى ضرورة الاستفادة من معرفة الإحصاءات لاستخدامها في تخطيط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والزراعية بل التعليمية والثقافية والسياسية وغيرها إذ قال : “وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءت في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين” (هود : 120) .
ضرورة الوعي الإحصائي
إن انتشار الوعي الإحصائي من أهم الوسائل لتسهيل مهمة جمع المعلومات الإحصائية سواء كان ذلك عن طريق التعداد الشامل أو العينة الإحصائية من المجتمع موضوع البحث ، وأن الوعي الإحصائي يجب أن ينتشر بين سكان البلد في جميع طبقاتهم ، من الفلاحين والحرفيين والصناعيين وأنه هو السبيل الأفضل أيضا لمحو الأمية ورفع مستوى الإنتاج ، ولا شك في أن ارتفاع مستوى التعليم والشعور بالمسؤولية وارتفاع مستوى القراء والكتابة يساعد عن ارتفاع الوعي الإحصائي .
وأن توفر المعلومات الإحصائية ودقتها لازم حتما لنجاح خطط التنمية الاقتصادية لأن الخطط الاقتصادية تعتمد أساسا على دقة المعلومات الإحصائية ، وأن المعلومات الإحصائية المتعلقة بمساحة الأراضي المزروعة والأيادي العاملة المتوفرة والأجهزة والمعدات الجاهزة للاستخدام الفعلي ، وكلها يلعب دورا هاما في نجاح التخطيط الاقتصادي في البلاد وخاصة في الدول النامية .
تطوير وسائل الإحصاء
لقد عرفنا الطرق التقليدية المنتشرة في البلاد النامية لجمع المعلومات الإحصائية عن طريق إرسال العدادين وزيارتهم البيوت والمصانع والمؤسسات حسب نوعية الإحصاء – السكاني ، الصناعي ، الزراعي ، وهذه الطريقة تكلف أموالا باهظة وجهودا واسعة بسبب الاستعدادات التي يتطلبها هذا النظام ، وخاصة بسبب الاتصال بجميع العائلات في القرى والأرياف والجهات النائية عن العمران ، وأن انتشار الوعي الإحصائي وانخفاض نسبة الأمية يساعدان على رفع مستوى دقة الإحصاء يجعل المعلومات الإحصائية أكثر دقة وصحة وأقل خطأ ، وأن دقة المعلومات الإحصائية وخاصة السكانية منها لا تزال ناقصة في الدول المتخلفة لصعوبة الاتصال بقطاع الأقاليم .
يدعو القرآن إلى دقة الإحصاء
ومن المعروف علميا وفنيا أن دقة المعلومات الإحصائية تلعب دورا مهما في إنجاح برامج وخطط إنمائية ، ومع تطور التاكنولوجيا تطورت وسائل جمع المعلومات الإحصائية أيضا فيجب الأخذ بتلك الوسائل لزيادة سرعة عملية الإحصاء وسرعة تحليل نتائجها ، ويدعو القرآن الذي هو الدستور الإلهي للبشرية كلها لتنظيم حياتها حسب الفطرة الإنسانية السليمة ، إلى اتباع الدقة والنظام في إحصاء كل شيئ كتابة وعددا ، صغيرة وكبيرة ، هينة وصعبة فيقول : “لقد أحصاهم وعدهم عدا” (مريم : 94) . ثم يقول : “وقدرو منازل لتعلموا عدد السنين والحساب” (يونس : 5) .
ومما زادنا نورا وإرشادا لاتباع الدقة في الإحصاء دعوته تعالى للنظر في كتابة الإحصائي الخالد فقال :”لا يغادر صغيرة زلا كبيرة إلا احصاها ، ووجدوا ما عملوا حااضرا” (الكهف : 49) . وهكذا نجد القرآن الكريم قد أحصى كا شيئ حتى الإشارة إلى نظام الإحصاء المنتشر في الوقت الحاضر في جميع دول العالم.