الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 17-مارس-1986 م
كثيرا ما نتحدث عن أنواع النعم وأصناف الآلاء التي أسبغ الله سبحانه وتعالى على عباده ظاهرة وباطنة ، من نعمة الصحة ونعمة المال ونعمة الأولاد وغيرها ، ولكن نادرا ما نذكر ونحسب الوجه الثاني الهام م أنواع النعمة ألا وهو نعمة دفع المضار واتقاء الشرور ، ورفع المصائب والملمات ، وربما تكون النعمة التي يتمتع بها الإنسان من دفع ضرر ظاهر أو خفي أهم وأعظم من جلب منفعة محسوسة ظاهرة ، ومن قبيل هذا الوجه من النعم دفع الأمراض المحتملة واتقاء الحوادث المتوقعة .
ويشير القرآن الكريم إلى نعمة دفع الضرر ورفع الظلم فيقول : “اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم” (المائدة : 11) .
وكذلك قوله تعالى ذي ذكر نعمة إزالة الفرقة ورفع الأحقاد والضغائن من صفوف المؤمنين : “واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم ” (آل عمران : 103) .
وأيضا قوله تعالى : “اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلت عليهم ريحا وجنودا لم تروها ” (الأحزاب : 9) .
نعمة دفع الأمراض والمصائب
وإذا نظرنا يعين الفهم والوعي نرى أن دفع المصائب والأمراض من أكبر النعم وأهم أفضال الله تعالى علينا ، كذلك اتقاء بعض الخسائر المحتملة سواء في المال والأعمال والمناصب والوظائف ، يكون في الواقع والنتيجة أفضل بكثير من جلب بعض المنافع والفوائد الظاهرية والفورية لأن الخسارة المحتملة التي وقانا الله منها ربما تكون أفدح وأشد من أضعاف المرات بالمقارنة إلى مقدار ما كسبناه من جلب تلك المنافع والفوائد الظاهرية والفورية ، ومن هنا ندرك طبيعة الفرق بين نعمة جلب النفع ودفع الضر .
ولمزيد من الإيضاح والاقتناع ، دعنا نفكر قليلا في حالة حصول إنسان على مبلغ معين من المال ، وفي حالة نجاته من مرض محتمل الإصابة فما هي النعمة الكبرى المؤكدة ؟ .
فإن مقدار المال الذي كسبه ومبلغه معين ومؤكد ويعرف إذن حجم تلك النعمة وأما مقدار المال الذي وفره واستبقاه نتيجة للتخلص من ذلك المرض المحتمل فهو غير معروف ومعين ويمكن أن يكون أضعاف المقدار الذي كسبه فعلا من المال المؤكد ، لأنه في حالة استفحال المرض أو طول مدة شفائه فيحتاج إلى إنفاق أموال طائلة إلى جانب المتاعب النفسية والبدنية .
ومما لا شك فيه ، في نظر أي إنسان عاقل ، أن النجاة من ذلك المرض المحتمل كانت نعمة أكبر وأضمن من نعمة الحصول على ذلك المبلغ المعين من المال ، لأننا نرى ونسمع ونقرأ كل يوم ، أخبار بعض الأثرياء الكبار وقد أصيبوا ببعض الأمراض العويضة فنفذت ثرواتهم كلها في سبيل التخلص من تلك النعمة والتمتع بنعمة الصحة ، وقد ثبت لهم من واقع الحياة والتجارب الشخصية أن نعمة دفع المرض كانت أعظم وأنفع من نعمة جلب المال فصار وجهها الثاني الذي لا يفكر فيه الإنسان عادة إلا إياه .
النعم الظاهرة والنعم الخفية
وأن هناك أنواعا أخرى من النعم لا يفكر فيه الناس إلا نادرا ، وهي أنواع النعم الخفية ، لأن الإنسان ينظر دائما إلى أصناف النعم الظاهرة ، سواء في النعم المباشرة للإنسان مثل صحة الأبدان وسلامة الأعضاء ، والنعم غير المباشرة مثل الأولاد والأموال والممتلكات والمناصب وغيرها ، ولكن هناك أنواع عديدة من النعم الخفية ، أهم وأكبر من تلك النعم الظاهرة ، ومن تلك النعم الخفية أو الباطنة آلاف القوى والطاقات المستترة في حسم الإنسان ونفسه ن القوى العقلية والفكرية والذهنية والقوة الحافظة وما إلى ذلك من النعم الكامنة في الإنسان وأن مثل هذه النعم الكامنة فيه أعظم وأهم وأقوى من القوى الظاهرة من السمع والبصر واللسان والحواس وغيرها .
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
وليس في إمكان أي إنسان على وجه الأرض ، مهما أوتي من قوة البيان وفصاحة اللسان ، أن يعد ويحصى نعم الله تعالى وآلائه عليه ، ظاهرة وباطنة ، وإلى هذه الحقيقة يلفت القرآن الكريم أنظار أولي الألباب والأبصار ليكونوا على مزيد من البينة والمعرفة واليقين فيقول : “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ” (النحل : 18) . وقال أيضا : “يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله ” (فاطر : 3) . ويقول مؤكدا وممتنا بنعمه التي لا تحصى على عباده في غاية الإعجاز والإحكام : “وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة” (لقمان : 20) .