“الحديث”
الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 4-يناير-1986 م
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق إلى كافة الناس ، وفضله على سائر الأنبياء والرسل بعموم الرسالة وخلودها ، وإكمال دين الله وإتمام نعمته على البشر ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وترك الأمة على المحجة البيضاء ، لا لبس فيها ولا غموض ولا سرية فيها ولا إبهام ، وكل أمرها ونهيها واضح وجلي . ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالة المحمود فقد قال تعالى عنه : “عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا” (الإسراء : 79) .
سيادة المرسلين
وردت دلائل كثيرة وآثار وفيرة عن سيادته المرسلين وكونه أفضل الأنبياء وخاتم النبيين وأنه صاحب المقام المحمود والوض المورود وصاحب الشفاعة يوم القيامة . فقال تعالى : “ولكن رسول الله وخاتم النبيين” (الأحزاب : 40) . وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم عد من أسمائه “المقفى” و”العاقب” وفسره آخر الذي لبس بعده نبي . وفي حديث آمن أنه قال : “وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ” .
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين أي آخرهم فأن شريعته هي آخر الشرائع الإلهية .
وقد روى الإمام الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشرهم إذا يئسوا ،لواء الحمد بيدي ، وأنا أكرم على ربي ولا فخر” . وروى الإمام الترمذي أيضا عن ابن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر ” . وروى أيضا حديثان حسنا من أبي سعيد الخدرمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي” . وأما “المقام المحمود” الذي ورد في القرآن الكريم فقد فسره المفسرون بأنه الشفاعة العظمى التي يحمده بها الأولون والآخرون يوم القيامة .
أصحاب خير أصحاب الأنبياء
وإذا ثبت بأدلة قاطعة أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وسيد المرسلين ، فإن أصحابه خير الأنبياء عليهم السلام ، وأن أمته خير الأمم ، وقال تعالى : “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ” (آل عمران : 110) . وأما فضل الصحابة فمشهور ومعروف ، وقد وردت الآيات والأحاديث والآثار الكثيرة في فضائلهم ما ظهر من مآثرهم العظيمة من الجهاد والهجرة والأعمال الصالحة والعلوم الواسعة وخدماته النافعة الخالدة لصالح الإسلام والمسلمين ، مضحين بكل غال ورخيص ، وبنفس ونفيس ، في سبيل إعلاء كلمة الله ورفعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد رفع القرآن الكريم شأن البيعة التي بايعها المؤمنون من أصحابه صلى الله عليه وسلم – رجالا ونساء – فاعتبرها بيعة لله وأن الذين بايعوا بأنفسهم للرسول في الحقيقة بايعوا الله سبحانه وتعالى فقال : “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ” .
لقد فضل الله تعالى أولئك الذين ناصروا الرسول وبايعوا بمثل هذا التفضيل والتكريم ، وقد ثبت لكثير من الصحابة الشهادة بالجنة ، وفي مقدمتهم العشرة المبشرة بالجنة وتقدم منهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .
والباقون هم : الزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعيد بن زيد .
ومع أن الجنة المشهودة لكل مؤمن محسن صالح بإذنه تعالى فإن هؤلاء والعشرة خصوا بهذه البشارة لسبقهم إلى الإسلام وجهادهم الكبير وبذلهم الجزيل الأموال والأنفس في سبيل الله ونصرة دينه ، فأما أبو بكر الصديق فهو المراد بقوله تعالى : “إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ” (التوبة : 40) . أي عندما كان أبو بكر معه في الغار وهو رفيقه عليه السلام في رحلة الهجرة وقرينه في الحياة وبعد الممات ، وهو أول من آمن به من الرجال ، وفيه نزل قوله تعالى : “والذي جاء بالصدق وصدق به ” (الزمر : 33) . فلهذا لقب بالصديق لصدقه في الإيمان ومبادرته بالتصديق .
التمسك بسنة الخلفاء الراشدين من إطاعة الله ورسوله !
كما بين الله سبحانه وتعالى أن طاعة الرسول من طاعة الله بقوله : “من يطع الرسول فقد أطاع الله ” أوجب طاعته في أمره ونهيه فقال :”وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” . ومن أوامره الصريحة الواضحة إلزام المسلمين بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ” . فقد جاء في حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود وغيرهما هذا النص : “الخلافة بعدي ثلاثون سنة” . وإذا صحت هذه الرواية وجمعت سنوات خلافة الخلفاء الأربعة الأولين (سنتان لأبي بكر ، وعشر سنوات لعمر ، واثنين عشرة سنة لعثمان ، وست سنوات لعلي رضي الله عنهم) فانتهت هذه الفترة مع انتهاء خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، الله أعلم ..