الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 7-يناير-1986 م
لقد تحدث القرآن الكريم عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ورسالته وغايات بعثته ومكانته ومكنة سنته في الإسلام ، في آيات عديدة بنصوص واضحة ومحكمة ، ومنها قوله تعالى : “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون” (النحل : 4) . وقوله كذلك : “وما انزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ” (النحل : 64) . وقال أيضا : “قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير ، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ” (المائدة : 15) .
و تدل هذه الآيات على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي بيان وتوضيح وتفصيل لكتاب الله تعالى .
السنة هي الأساس الثاني للتشريع الإسلامي
وأوجبت الآيات القرآنية طاعة الرسول باتباع ما جاء به وبينت أن طاعته نم طاعة ، فقال الله تعالى : “من يطع الرسول فقد أطاع الله” . وأن صحة الإيمان بالله مشروع بقبول حكم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وان الرضا بحكمه شرطا ما أساسي في صحة الإيمان بالله واكتماله بنص قوله تعالى :”فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” (النساء : 65) . وقال الله تعالى : “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم م النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا” (النساء : 69) . وتبين لنا من الآيات الكريمة أن قضاء رسول الله وحكمه واجب القبول ، لأنه نابع من روح القرآن إذا لم يكن هناك نص فيه ، وأن حكمه يجب أن يطبق كما يطبق النص القرآني فكلاهما من مصدر الوحي والنبوة والرسالة . وقد ألزم القرآن الناس جميعا ، طاعته في أمره ونهيه إذ قال :”وقد آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن اله شديد العقاب” .(الحشر : 7) .
يحيل القرآن إلى البيان العملي للرسول
وإذا تدبرنا القرآن نرى أنه يحيل في كثير من نصوصه وخاصة فيما يتعلق بالعبادات البدنية والمالية والاجتماعية على السنن العملية والبيانية للرسول صلى الله عليه وسلم فأقرب مثل على ذلك الأمر الذي جاء في القرآن الكريم بإقامة الصلاة “وأقيموا الصلاة” فإن الهيئة الكاملة للصلوات المكتوبة وأوقاتها وأركانها والصورة التفصيلية لسجودها وركوعها وقراءتها لم ترد في القرآن ، بل جاءت التفاصيل العلمية في تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه بعث ليبين للناس ما نزل إليهم فهو الذي قال : “صلوا كما رأيتموني أصلي” . وهو الذي قال بعد أداء مناسك الحج بأكمل صورة : “خذوا عني مناسككم” .
جعله الله قدوة ومثلا حيا
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الرسول عليه السلام قدوة للناس وإماما يقتدون به ، وفي قوله وفعله وإقراره ، وألزمهم طاعته في كل ما أمر ونهى فقال الله تعالى : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” (الأحزاب : 21) . وقال أيضا : “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ” (الأحزاب : 26) . ولقد شرف القرآن الكريم التعليم النبوي وأعلاه وجعله ضنوا لأمر الله وتعليمه في وجوب القبول والعمل به وعصيان رفضه وعدم العمل به . ونرى من هذه الآيات وغيرها مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي وأنها الركن الثاني الأصيل في مصادر التشريع . ودليل آخر على هذه المكانة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم نص القرآن بشأن البيعة التي بايعها الناس للنبي صلى الله عليه وسلم فاعتبرها القرآن بيعة لله تعالى فقال : ” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله وفوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما” (الفتح : 10) .
ويشير القرآن في عدة آيات إلى أن عصيان الرسول مثل عصيان الله في النتائج المترتبة عليه من ضلال وعذاب وخلود في النار ، فلينظر المتساهلون في اتباع سنة الرسول ، والمتهاونون في تقديرها حق القدر ، والمكابرون في تشكيك أساسيتها ومصدريتها في التشريع الإسلامي ، بعد معرضنا من الأدلة القاطعة والنصوص الساطعة من كتاب الله الحكيم ، إلى هذه الآيات الصريحة أيضا لكي يفتحوا عيونهم ويعملوا عقولهم ويرجعوا إلى رشدهم : “ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا” (الأحزاب : 36) . وأيضا : “ومن يعصي الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا” (النساء : 14) . ثم يقول : “ومن يعصي الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها أبدا ” (الجن : 23) .
ولا غنى للمسلم في حياته الإسلامية في أي مرفق من مرافقها ، عن اتباع الرسول في بيانه التفصيلي والعملي لكتاب الله تعالى