الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 28-ديسمبر-1985 م
إن تكوين الشخصية الإنسانية ، يتم من وجهة نظر الإسلام ، بعاملين هامين ، هما إصلاح الإنسان لذاته ثم إصلاح غيره . وأن الله سبحانه وتعالى حين خلق النفس الإنسانية أوجد فيها استعدادات فطرية ، إذا هذبها الإنسان بالإيمان الصادق والعمل الصالح والتربية المناسبة نشأت النفس على اتباع الخير والهدى وتدرجت بالتوازن والاعتدال في مدارج الكمال الروحي والمادي ، وإذا أهملها تراكمت عليها أدران العادات الذميمة وأوساخ الأعمال الفاسدة فتنشأ على الشر والفساد والانحراف عن الطريق المستقيم .
حقيقة النفس الإنسانية
أما النفس الإنسانية فلها بحكم فطرتها قابلية لقبول الخير والشر ولها استعداد لقبول الحق والباطل ، وهذا الاستعداد الطبيعي الاختياري هو مدار التكليف في الشرع الإسلامي ، وإذا لم يكن لها الاختيار فلا معنى لأن يترتب العقاب والثواب على أعمالها ، وأن الحساب على أساس الفعل الاختياري الذي دخل وسع الإنسان وطاقته وإرادته كما صرح به الخالق سبحانه وتعالى بقوله : “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” .
ويقول الرب عز وجل مبينا طبيعة النفس الإنسانية وأعمالها : “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها” . ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مؤكدا طبيعة النفس في قبول الحق والباطل واستعدادها للإقبال على الخير والشر حسب العادات والبيئات والتربية النفسية ، في حديث رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يوهدانه أو يمجسانه أو ينصرانه . ومادامت النفس الإنسانية تحمل فيها الاستعدادات الفطرية لقبول الخير والشر فإن التربية والتهذيب والتثقيف هو الذي يوجهها إلى مدارج الصلاح أو الفساد إلى طريق النجاح أو الهلاك في الحياة الدنيا والأخرى ، فيكون الإنسان فالحا أو خائبا “قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ” .
منهج القرآن في بناء الإنسان
لقد جمع الله سبحانه وتعالى جميع عناصر المنهج المتكامل لتكوين الإنسان شخصيته الكاملة الفائزة بسعادتي الدارين والناجحة في تحقيق حياة متكاملة بدون خسران وضياع وفشل ، في سورة قصيرة ، قليلة آياتها معانيها وسهلة القراءة والفهم ، وجمة الفوائد والعظات في معترك الحياة في كل زمان ومكان . ألا وهي سورة العصر التي أقسم فيها خالق البشر بالعصر الذي تدور فيه عجلة الإنسانية وتتكون فيه الحضارات والأمم ، وتشهد في طياته الإنسانية آثار الأمم السابقة واللاحقة من خسارة وضياع وندامة ، ونجاة وفوز وسعادة . وكل هذا وذاك ماثل أمام الإنسان العاقل الذي له إلمام بتاريخ البشرية عبر الدهور والعصور ، فلينتظر إلى ما فعلته العصور بأسلافه ، من خسارة إذا لم يأخذ بأسباب النجاح وسعادة إذا ما أخذ بأسباب الصلاح والفوز ، ثم فصلت الصورة ذلك المنهج الرباني المتكامل الموصل إلى شاطئ النجاة والمبعد عن هاوية السقوط في الويل والثبور والخسران حيث لا ينفع الندم والعويل بعد فوات الأوان فيقول الله تعالى : “والعصر إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ” .
عوامل إصلاح النفس
قد لخصت السورة عوامل إصلاح النفس أي إصلاح الإنسان لذاته في أمرين : الإيمان والعمل الصالح ، حيث قال : “إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ” . وأن الإيمان هو ترسيخ العقيدة الربانية في أعماق النفس يحدث في الإنسان شعور بالمسئولية أمام خلقه علام الغيوب ، وأقرب إليه من حبل الوريد ، وهذا الشعور هو الذي يدفع الإنسان المؤمن إلى مراقبة الله تعالى في كل حركاته وسكناته ويحاسب نفسه قبل أن يقدم على أي عمل يقوم به ، فيكون عمله صالحا ومرضيا لربه وضميره وراجي الثواب والرضا عند ربه الواحد القهار ، ويندفع المؤمن إلى تطبيق المنهج الرباني على نفسه وعلى غيره بصدق نية ورغبة خالصة لوجه الله بدون رياء ونفاق . وبهذه المعالم يتم إصلاح ذاته ونفسه ، ويستعد لتحمل مسئولية إصلاح غيره .
عوامل إصلاخ الغير
وفي مقدمة عوامل إصلاح الإنسان لغيره ،التواسي بالحق والتواصي بالصبر ، “وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” . وفي هذه المرحلة من تكوين شخصية المسلم المؤمن الصالح تندفع نفسه إلى دعوة الغير إلى قبول الحق وعمل الحق والاستقامة على الصبر . ويكون كذلك قدوة صالحة وأنموذجا صالحا للغير في سلوكه وأخلاقه ومعاملاته وأن توطين النفس على الدعوة إلى الله وتعويدها على الصبر والثبات من أهم عوامل الاستقامة على الحق . ولهذا يتوجب على الإنسان الناجح في محالاته الحياة التمسك بخلق الصبر الثبات في سبيل عقيدته ورسالته . وكل من خرج عن هذا المنهج قد نال الخسران المبين.