الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 8-ديسمبر-1985 م
لقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تختار أمة الإسلام لتحمل مسؤولية إرساء قواعد النظام الإلهي الخالد على هذه المعمورة ، وأن هذه المسئولية بحكم الفطرة التي فطر الله تعالى عليها تتطلب شروطا وأوصافا معينة لأن الأمة من هذا النوع لتواجه أنواعا من التحديات والأخطار الداخلية من نفسها وأهوائها وشهواتها ، والأخطار الخارجية من أعدائها ومنافسيها طمعا وجشعا وحقدا وغيظا .
ضرورة القوة الشاملة
ولهذه الأسباب وملابساتها ، أمر الله سبحانه وتعالى أمر هذه الأمة بإعداد القوة المطلوبة لتكون أمة قوية مرهوبة الجانب لتتولى مكانة الريادة والإمامة بين الأمم ، كما أشار إلى هذه الغاية المنشودة قوله تعالى : “كنتم خير أمة أخرجت للناس ” .
وقد أمرها بنص صريح وأكيد : “وأعدوا لهم ما استطعم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله عدوكم ” (الأنفال :60 ) . ومن الملاحظ في هذه الآيات القرآنية المحكمة أن كلمة “قوة” جاءت مطلقا بدون تحديد كيفية القوة أو نوعيتها وكميتها . وذلك إرشادا وإيعازا ، إلى القوة التي يريدها الإسلام لامته هي المطلقة الشاملة ، حيث تضم جميع أنواع القوة المادية والروحية ، والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها . ثم أكد بصفة خاصة على نواحي القوة العسكرية إذ قال : “ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ” لأن جميع مجالات التقدم والنمو في الحياة البشرية تحتاج إلى الأمن والاستقرار الداخلي والخارجي ، وهذا الأمن وكذلك الاستقرار يتطلب الدفع عن الأخطار التي يتعرض لها ، وهذا الدفع لا يتحقق إلا بالقوة ، وبالأخص القوة العسكرية لأن قانون نزاع البقاء في هذا الكون يحدث احتكاكا واصطداما بين القوة المتنافسة بين الخير والشر ، ولهذه الأسباب كلها شدد القرآن على ضرورة الأخذ بأسباب هذه القوة التي أشار إليها ضمنا وتصريحا في ختام الآية .
مصادر القوة أولا
ولا تتوفر القوة المطلوبة إلا بالحصول على مصادرها أولا ، وأن تلك المصادر لا يكون لها أثرها وفعاليتها إلا إذا جمعتها عوامل التنظيم والتخطيط . وأما المصدر الأول لقوة الأمة الإسلامية التعاون والتكامل والتكافل فالوحدة في الأهداف والخطط لتحقيق غاية واحدة . وهذا هو أيضا أول عوامل الاستفادة من المصادر المتوفرة في أيدي العرب والمسلمين في هذا العصر .
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخوة أساسا للوحدة المتماسكة بين أبناء الإسلام ، فعقب هجرته إلى المدينة المنورة وضع حجر الأساس لهذه الوحدة بربط المهاجرين بالأنصار ، وبتوحيد صفوف الأنصار من قبيلة أوس وقبيلة خزرج .
وقد شهد التاريخ أن هذه الأخوة التي أرسى قواعدها الرسول صلى الله عليه وسلم في عاصمة الإسلام الأولى – المدينة المنورة – قد ساعدت الأمة الإسلامية على مواجهة أقوى التحديات من الأعداء في الخارج والداخل ، من مؤتمرات وحروب وخيانة وغدر وكما تستمد الأمة إرادتها القتالية وروحها المعنوية من وحدة الصفوف ، والتلاحم الكامل بين الشعب والدولة ، لأن العدو الخارجي إذا رأى أنه متى اعتدى على المسلمين وأراضيهم ومقدساتهم فسيواجه قوة عسكرية موحدة ووراءها أمة متضامنة ومتساندة فحينئذ يفكر ألف مرة قبل الإقدام عليه ويتخلى عنه نهائيا .
وأما القوة العسكرية فلا تتحقق أهدافها كاملة بدون القوة الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية إلى جانب القوة العسكرية المكونة من الأسلحة اللازمة والجيوش المحاربة . وأن هذه القوى بحذافيرها لا ثؤثر نتائجها المرموقة ، وتؤدي إلى تحقيق الأهداف المنشودة إلا بوحدة الهدف والصف . وأن المسلمين قد سجلوا على مدى التاريخ أعظم انتصاراتهم ضد الأعداء الجبابرة الأقوياء في العدد ، مثل التتار ، والمغول والصليبيين ، تحت أعلام الوحدة في الهدف والغاية ، فتوحيد الكلمة في ظل كلمة التوحيد هو جوهر مصادر القوى لأمة الإسلام ، وتلك المصادر تؤدي فعلا إلى القوة الشاملة الرادعة وأما التشدق ببعض الألفاظ البراقة والمصطلحات الرنانة ، الرائجة في أسواق السياسة العالمية الخادعة والمخادعة ، والتي ترمز إلى بعض القوى الواهية في ناحية من نواحي الحياة الراهنة ، فلا يسمن ولا يغني من جوع ، زلا يساعد على ردع الأعداء الدهماء الأقوياء في شتى مجالات الحياة .
وقد آن الأوان للعالم العربي والإسلامي ، لا عادة النظر مرة أخرى وتلو أخرى ، في مفهوم القوة في العصر الحديث ، وأن التكالب على جزء منها ، والتراضي بقشره الممجوج ، لا يجعله قادرا على مواجهة الزحف الكاسل من العدو القوى المتماسك المتكامل لجميع جوانب القوة بكفاءة وجدارة فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس .