الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 3-ديسمبر-1985 م
وضع المنهج الإسلامي أربع قواعد رئيسية للاتصال بالناس لتبليغ دعوة أو نقل فكرة أو نشر نظرية فيما بينهم ، وهذه القواعد إنما هي مدار نجاح السلوك لجماعي في البشر ، واستقرار الأمن والوئام بين الأفراد والجماعات المنتمين إلى شعوب وقبائل ، وآداب وأفكار في سائر الأزمنة والأمكنة . ويمكن أن يطلق على هذا المنهج القويم للاتصالات بين أفراد البشر وجماعات اسم “النهج الإسلامي في المجال الأعلامي” .
قواعد الحوار المهذب
يحض الإسلام على التعفف عن كل أنواع الكذب والنفاق واللف والدوران ، والسخرية والمذاح والسب والشتمية في المعاملات الإنسانية كلها . فيقول القرآن الكريم مبينا وموضحا هذه القواعد الأساسية : “يا أيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهم ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ومن يتب فأولئك هم الظالمون ” (الحجرات : 11) .
القاعدة الأولى
الترف عن الكذب والتضليل والمراوغة والجهربالحق بصدق وإخلاص وعدم المحاولة لكتمانه أو تزييفه لهدف أو آخر . والدليل عن ذلك قوله تعالى : “ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون” . وينبغي أن يكون أسلوب الداعي منسجما مع المبادئ الإسلامية النبيلة في جميع مراحل حواره وجداله ونقاشه .
القاعدة الثانية
التعفف عن الجهر بالسوء لأي شخص يتعامل معه ، فيقول القرآن بكل صراحو ووضوح : “لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم ..” وإن الجهر بالسوء أمام الغير يعتبر عادة من قبيل التشنيع أو التجريح ، وهذا الأسلوب سوف يؤدي إلى ازدياد الشخص المخاطب عناد أو امتعاضا فتكون النتيجة عكسية لأنه أي الداعي إلى الحق سيكون منفرا عنه لا مبشرا به ، وإنما المنهج الإسلامي في مجال الدعوة إلى الحق التبشير وليس التنفير ، ويقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “بشروا ولا تنفروا يسروا ولا تعسروا “.
القاعدة الثالثة
الجدال بالحسنى ، يقول الله تعالى مرشدا وهاديا لجميع الدعاة والمصلحين ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلم بالتي هي أحسن ” .ويقول أيضا : “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ” . وإذا كان هذا الأسلوب المطلوب مع من يخالف في العقيدة والدين فيما بالنا مع من يشاركنا في العقيدة والعبادة والقبلة لمجرد الاختلاف في بعض المسائل الفرعية أو الأحكام الاجتهادية ؟
القاعدة الرابعة
وجديربالملاحظة في الآيتين المذكورتين أن الأسلوب المرغوب فيه المناقشة والمناظرة هو “الأحسن” أي بصيغة التفضيل ، فإذا كان لدينا في التعامل مع الغير أسلوبان : الحسن والأحسن فينبغي لنا الأخذ بالأحسن ونترك الحسن ، وإنما يكون الاختيار المفضل في كل شيئ هو الأفضل والأحسن ، ومن هنا يجب أن نفهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، في كل المجالات يتطلب أسلوبا بعيدا كل البعد عن الخشونة والشدة والتفريخ والتجريح الشخصي ، ويمنع الله تعالى بصورة قاطعة سب وشتم الكافرين والمشركين ، في مجال المعاملة ، معهم في شؤون الدعوة ونشر الحق ، وقال : “لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ” .
وتؤكد هذه الآية وأحاديث نبوية عديدة ، حيث لا يسع المقام لذكرها ، ضرورة الترفع عن السباب والشتائم والكلمات البذيئة والألفاظ النابية في الحوار والجدال والنققاش مع من يختلف معنا في الرأي والمذهب حتى في العقيدة .